الأحد 2021/12/05

آخر تحديث: 08:13 (بيروت)

"واقعة" أودري ديوان... المغامرة السينمائية التي تصنع كاتبة

الأحد 2021/12/05
increase حجم الخط decrease
ثمة طريقتان لتناول فيلمL'ÉVÉNEMENT للمخرجة الفرنسية أودري ديوان. الأولى، هو مقارنته بالرواية، الذي اقتبس عنها، أي رواية آني أرنو الأوتوبيوغرافية التي حمل عنوانها، "الواقعة". على أساس هذه الطريقة، يمكن الإشارة الى نقاط مشتركة ومفارقة بين الفيلم والرواية قبل الحديث عما أضافته المخرجة على السردية الأساس، وما أزالته منها. الفخ، الذي قد تقع فيه هذه الطريقة، هو تحولها الى قراءة مدرسية نوعاً ما للفيلم، فضلاً عن إرجاعه الى الرواية كما لو أنه ترجمة لها، أو كما لو أن مجال وجوده كعمل قائم بذاته لا إمكان له. من هنا لا بدّ من طريقة مختلفة لمقاربة الفيلم، وهو النظر فيه على ما تقدم خلاله بالإنطلاق مما يروي بالطبع، ولكن، بلا أن يفضي هذا الانطلاق إلى صهره في مرجع ما. على العكس، من المتاح التوقف عنده بالإرتكاز على بعض عناصره، بالإضافة الى بعض آثاره، الذي تمكنت المخرجة من إحرازها.


على رأس هذه العناصر، يحضر التشويق، الذي، وفي هذا السياق، يأخذ معنى بعينه، يمكن الإستدلال عليه بالإشارة الى كون المخرجة قد بدأت الفيلم، ليس في وقت خال من واقعته، وهي حمل بطلته آن (أناماريا فارتولومي)، إنما في أثناء وقتها. بالتالي، دار الفيلم بعد حصول الواقعة، التي لم تتكشف سوى بعد أسبوعين عليها قياساً على زمنها، أو بعد عشرين دقيقة أو أكثر قياساً على زمنه. كانت الواقعة سابقة على الفيلم، الذي صار، وفي نتيجة ذلك، كأنه يصور تدبيرها من قبل البطلة. هذا التدبير لم يكن سهلاً بالتأكيد بسبب وضع صاحبته كامرأة في بداية الستينيات الفرنسية، حين كان الإجهاض ممنوعاً، وحين كان، قبل ذلك، الحمل خارج رابطة الزواج محظوراً، أو بالأحرى مرذولاً من قبل المجتمع آنذاك. في هذا الاطار، تدبرت البطلة واقعتها على نحو بدت أنها تريد التفتيش عن حل لما تطرحه من مشكلة، لا انصياعاً لذلك المجتمع، إنما-وهنا كل مفعول الواقعة- لكي تمسك برغبتها، وهي أن تصير كاتبة. ولكن، حل المشكلة ليس سهلاً مرة أخرى، الا أن ذلك لا يمنع من البطلة عن مساعيها، التي تتعثر، وتتباعد، ثم تختفي تاركةً خلفها حائطاً مسدوداً. خلال هذا، تصور المخرجة بطلتها كما لو أنها، وعلى الدوام، تمشي على خيط رفيع يفصلها عن السقوط مسحوقةً بواقعتها، وهو نفسه هذا الخيط، الذي يشدّها نحو منفذ من المنافذ. لهذا، يمكن القول إن التشويق، في هذا المطاف، مرده هذا التصوير: تصوير أن تحمّل الواقعة هو نفسه مصدر تهديدها مثلما أنه مصدر تدبيرها. 
فعلياً، التشويق، وبما هو عنصر أساس للفيلم، لم يأتِ على شكل عاصف، إنما هادئ، بمعنى أن البطلة، وفي حين تحملها الواقعة، متهددةً ومتدبرةً لها، كانت تفعل ذلك بكل روية. هذه الروية، وبحد ذاتها، كان لها أثر محدد، وهو ما يمكن الإشارة اليه بعبارة رائجة: سرقة الأنفاس. فقصة آن تسرق الأنفاس، وهي لا تقدم على ذلك مباشرةً، إنما، وعلى العكس، رويداً، أي أنها تهيئه، وتحضره، الى أن يحدث فجأةً. يمكن الاعتقاد أن سرقة الأنفاس هذه تتحقق عبر مشاهد الإجهاض، التي تأتي حادة، ولكن، هذا الاعتقاد، وإن صح، فهو لا يلغي أن السرقة تلك تحصل أيضاً في قاعة الدراسة أو البار أو في العيادة أو في المنزل العائلي أو في أي مكان، حيث ترتطم البطلة، عبر جسدها، عبر رغباتها، بكلمات الأستاذ، بكف الأم، بجسد الصاحب، بنظرات الشباب، بصمت الأصدقاء إلخ. فكل هذه اللحظات هي لحظات تترك مشاهد سيرة آن بلا أنفاسه، وهذا، لأنه، وفي حين تتبعه لها، يجدها في وشك النزول الى هاوية ما، وهذا، قبل أن تعود وتصعد، ثم تستكمل سيرها. فتلك اللحظات، لحظات قطع الأنفاس، هي لحظات يتغلب فيها تهديد الواقعة على تدبيرها ثم يتعادل معه من جديد، كما أنها لحظات دفع الواقعة للبطلة الى أن تجد العالم، عالمها، غير ما كان، فتتباغت، قبل أن تؤكد على أنه كذلك. فالصوت التأنيبي للأستاذ كان دوماً حاضراً حيالها، لكنها، لم تصطدم به، أي بجلافته، وبما ينطوي عليه من تسلط، سوى حين أطلّت عليها من جهة الواقعة التي تتحملها. فللواقعة مفعول، وهذا، ما قدرت ديوان على تقديمه جيداً: كشف ما كان في الباطن، لا لوضعه على السطح، بل بالإشارة الى أنه لطالما حضر على هذا السطح. هناك حيث تقف البطلة، وتقول: "أريد أن أصير كاتبة"، وعندها، تشعر أنها كانت، بعد تدبرها الواقعة مثلما من قبل حصولها، محاصرة، وعندها أيضاً، تبدأ مغامرتها... مغامرة أن تغدو آني أرنو!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها