الأحد 2021/12/19

آخر تحديث: 09:53 (بيروت)

فان ليو في صوره الذاتية... أضواء السينمائي وظلاله

الأحد 2021/12/19
increase حجم الخط decrease
قبل أيام، احتفلت الجامعة الأميركية في القاهرة، بذكرى مئوية ميلاد المصور الفوتوغرافي ورائد فن البورتريه، الأرمني المصري فان ليو، اسمه الحقيقي ليفون ألكسندر بويادجيان (1921-2002)، وأصدرت "المؤسسة العربية للصورة" في بيروت كتاب Becoming Van Leo  من 3 مجلّدات، يستكشف حياة فان ليو وأعماله، تأليف كارل باسيل، بالتعاون مع نيجار عزيمي، وابنة شقيق فان ليو، كاتيا بويادجيان.


يستقي الكتاب صورًا من مجموعة فان ليو في عهدة المؤسّسة العربيّة للصورة، وأرشيف الجامعة الأميركية في القاهرة، فيضم 600 صفحة وأكثر من ألف صورة، تروي من خلالها الحيوات العديدة لأحد أشهر المصورين في المنطقة، مع رسائل وتفاصيل مستلة من حوارات أجريتْ مع أكثر من ثلاثين شخصية تعرف فان ليو وكانت على تواصل معه.


بات اسم فان ليو معروفاً في عالم التصوير الفوتوغرافي فهو مصور ذاكرة مصر وأبرز وجوه الفنانين، له مميزاته الخاصة وهويته الابداعية، نرى أعماله باستمرار في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أننا ألفناه في السنوات الأخيرة، بعد أصدار أكثر من كتاب وفيلم عنه وإقامة أكثر من معرض، لا يزال يدهشنا يجذبنا بأساليب تصويره، نتمنى المزيد من أعماله. واذا ما ركزنا على جانب من صوره، وتحديداً صوره الذاتية، وهي متوفرة في الجزء الثاني من كتاب المؤسسة العربية للصورة، تمتد من عام 1937 حتى عام 1995، نجد تعكس حكايته وعالمه وثقافته ومدى تطوره ورؤيته البصرية.

جاءت أسرة بويادجيان الى الزقازيق في مصر في العشرينيات، وعاشت هناك ثلاث سنوات قبل أن تنتقل إلى القاهرة سنة 1930، حيث عمل الأب في شركة الترام والتحق ليفون في المدارس الأرمنية، وبعد انتهائه من مرحلة الثانوية العامة التحق بالجامعة الأميركية، وما لبث أن ملّ الدراسة في وقت كان مفتوناً بالبطاقات البريدية التي تحمل صور نجوم هوليوود... اشترى له والده كاميرا، والتحق باستوديو فينوس للتدريب على التصوير الفوتوغرافي، إذ كان العمل في التصوير في نهاية الثلاثينيات مربحًا، خصوصًا بعد تدفق الأجانب إلى مصر. كان صاحب استوديو فينوس، أركابيل أرتنيان، مصورًا عاديًّا، لا تتجه أعماله للشكل الذي كان يفتن فان ليو؛ حيث اللعب بالظلال والأضواء... وفي يناير 1941 لجأ فان ليو إلى شقيقه أنجلو ليدعمه ماليًّا، ليفتحا معًا استوديو تصوير في غرفة في منزل العائلة. حظي تصويرهما باهتمام الضباط الأجانب وأبناء الطبقة الأرستقراطية؛ إذ كان لدى فان ليو بصمة جديدة في التصوير، ليصبح أشهر مصور في مصر في فترة امتدت من الخمسينات والستينات والسبعينات، وهو الراعي الرسمي لكل صور نجوم الفن والثقافة والسينما. والنافل أنه في العام 1947، ولأسباب اقتصادية قرر فان ليو الانفصال عن شقيقه، وشعر فان ليو وقتها أن الفرصة قد حانت لاظهار شغفه الخاص في فن التصوير باستقلالية وخارج المتطلبات التجارية. وبدأت الخلافات بينهم، ليسير فان ليو نحو تأسيس استوديو خاص به. تذكر كاتيا بويادجيان، ابنة شقيق فان ليو"كان الشقيقان متعارضين في الشخصية، كما يمكن أن يكون أي شخصين... كان أنجلو صاخبًا ومفرطًا ومتهورًا وغير مسؤول ومقامر، بينما كان فان ليو فنانًا هادئًا وأنثويًّا وحيدًا، وكان حذرًا إلى أقصى الحدود"(*). واشترى فان ليو الاستوديو الخاص به في 7 شارع فؤاد، ومن أهم ما قام به في هذه الفترة هو تصوير مجموعة تقترب من 400 بورتريه ذاتي... ويقول أكرم زعتري "اختلف عمل فان ليو عن المصورين الآخرين الذين شاهدتهم في المنطقة... ما جذبني في الغالب في هذه الصور كان مقدار الصور الذاتية التي صنعها في الأربعينيات من القرن العشرين، متنكرين في شخصيات مختلفة. بعد أن تأثر كثيرًا بالسينما، لأنه تعلَّم من خلال مجلات الأفلام، وقد ذكرتني صوره الذاتية بسيندي شيرمان"(**). تقمص فان ليو شخصيات مثل راسبوتين وسام سبيد، وظهر في صور منها بمكياج ورداء حريمي، وظهر في أخرى مرتديًا أزياء: رجل عربي، وضابط، ولص، وطيار، أصلع، وبشعر، بذقن، وحليق، يحمل في يديه مسدسا، أو تمثالاً أو طائرة أو كتاباً عن فان غوخ أو مجلة أجنبية، يدخن سيكارة أو غليونا، أو يضع قرطا(حلقة) في أذنه...

كان فان ليو ممثلاً في صوره، يقلّد الممثلين، وربما يفسر ذلك ما قاله في أحد حواراته، عن أنه كان يقتني "مجلات وصورًا لممثلي هوليوود، وأدرس فيها بعض نواحى الإضاءة والديكور والملابس. كنت أنظر في المرآة وأفعل ما يحلو لي، أضبط الإضاءة وأصور نفسى على سجيتي، بينما لا أملك هذه الحرية مع الزبون". ويضيف "في صوري الذاتية أفعل أشياء غير اعتيادية كالإضاءة مثلاً، او التعابير. على سبيل المثال، لدي صور أبدو فيها أقرع. كنت شاباً ومستعداً لأشياء كثيرة لا أفعلها اليوم. وأردت ان أبرهن ان تغيير ملامح الوجه ممكن عن طريق رسم الاضاءة وتعابير الوجه"... وهو يعمل على تهيئة المكان، والاضاءه، واختيار الزاوية التي تؤخذ منها اللقطة، وصولاً الى درس تعابير الوجه لاقتناص اللحظة المناسبة، كأنه يصور مشهداً سينمائياً، يتشكل بين الأبيض والأسود، بين الضوء والظل، مصحوباً بكاريزما السيكارة والمسدس وسائر الأشياء التي تعطي وقعاً خاصا للصورة، كأنها لقطة سينمائية.
فالبورتريه عنده حسبما ذكر الكاتب احمد وائل ليس لحظة مسجلة، إنما يكشف حكاية. كما لو أننا أمام شريط سينمائي لم ينل مشاهدوه إلا مشهداً وحيداً. 

والملاحظ من حيث الصور المتوفرة في الكتاب، أن فان ليو كان أكثر اندفاعاً للتصوير الذاتي في الاربعينيات، مقارنة بالمراحل الأخرى. 

 

 (*) وردت في مقالة لمحسن البلاسي

(**) في 2001، صنع أكرم زعتري، بدعم من مؤسسة الصورة العربية، فيلمًا قصيرًا عن فان ليو بعنوان "رحلة للمصور الذي صوَّر جدتي عارية" يعرض الفيلم تاريخ فان ليو يحكيه بنفسه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها