السبت 2021/11/20

آخر تحديث: 12:19 (بيروت)

ملكة الكون في إيلات...لا يمكنك أن تكون جميلاً وتنسى

السبت 2021/11/20
ملكة الكون في إيلات...لا يمكنك أن تكون جميلاً وتنسى
أندريا ميزا في القدس (فرانس برس)
increase حجم الخط decrease
تتجول المكسيكية، أندريا ميزا، في شوارع القدس، فيما تتابعها كاميرات وكالات الأنباء. وعلى خلفية لأفق المدينة، تبرز فيها قبة الصخرة، تصرح ميزا، حاملة لقب ملكة جمال الكون، أنه لا مكان للسياسة في المسابقة، في إشارة إلى الدعوات لمقاطعة دورة العام الجاري بسبب إقامتها في مدينة إيلات الإسرائيلية. تضيف ميزا، "الفتاة العادية من مدينة مكسيكية صغيرة"، كما تعرّف عن نفسها، إن على المشاركات "نسيان السياسة" و"نسيان انتمائهن الديني". إلا أن النسيان ليس متاحاً للجميع، فشعار "لا جمال مع الأبارتهيد"، فجّر حملة جنوب أفريقية للمقاطعة، مع إصرار ملكة جمال جنوب أفريقيا، لاليلا مسواني، على المشاركة. سحبت الحكومة الجنوب أفريقية دعمها لها، فتجربة البلاد مع سياسات الفصل العنصري عصية على النسيان.

بدأت مسابقات ملكات الجمال، متأخرة عقدين أو ثلاثة، مقارنة بمثيلاتها من المسابقات الأممية في المجالات الأخرى، مثل الأولمبياد والجوائز الثقافية والفنية. المنطق ذاته يحكمها كلها.. كل شيء قابل للمعايرة، لذا يمكنه أن يغدو موضوعاً للمنافسة، والأهم أن تكون الدولة القومية هي وحدة التعريف لساحة التنافس وأطرافها.

في مطلع العشرينيات، انطلقت "ملكة جمال أميركا" كمسابقة للباس البحر، لكن احتفالية الترويج السياحي ذات الطموحات المتواضعة، سرعان ما اكتسبت أبعاداً أكثر تعقيداً، وعلى مستوى وطني. كانت المسابقة تشترط أن تكون المتسابقات "بصحة جيدة ومن العرق الأبيض"، ولم يكن هذا مجرد تعريف للجمال يحصره في لون معين، بل أيضاً كان تحديداً لمعنى "الأميركي" المثالي. في المقابل، وكصورة من صور المقاومة، أطلق الأميركيون السود مسابقاتهم البديلة، بهدف إعادة تعريف الجميل وتوسيع دائرة الوطني. ومع هذا سيظل الفصل العنصري قائماً، حتى بعد إلغاء شرط العرق في الخمسينيات، فأول مشاركة لمتنافسة أميركية سوداء في المسابقة لن يحدث إلا في العام 1971.

قبلها، وفي العام 1945، فازت بيس مايرسون في المسابقة (الصورة إلى اليسار)، لتصبح أول أميركية يهودية تحمل اللقب، والأخيرة إلى اليوم أيضاً. لكن ميرسون لم تستطع نسيان انتمائها الديني، أو، للدقة، كان يتم تذكيرها به طوال الوقت. فأثناء جولاتها بين الولايات الأميركية، في إطار مهامها كحاملة للقب، لم يُسمح لها بالإقامة في الكثير من الفنادق التي ترفض استقبال "الملونين واليهود والكلاب". وبعد انسحابها الاحتجاجي من الجولة التي نظمتها المسابقة، ذهبت ميرسون في جولات مناهضة للتمييز، برعاية جمعيات أميركية يهودية، تحت شعار: "لا يمكنك أن تكون جميلاً وتكره".

من رحم "ملكة جمال أميركا"، ولدت مسابقة "ملكة جمال الكون"، وعلى يد السياسة تحديداً، أو ربما بغرض التحايل عليها. ففي العام 1951، رفضت ملكة جمال أميركا، يولاندا فوكس، التقاط صور لها بملابس البحر لأسباب أخلاقية، وتسببت تلك الأزمة في انسحاب شركة "كاتالينا لملابس البحر"، الراعي الرسمي للمسابقة. وفي العام التالي، أطلقت الشركة مسابقتين بديلتين: "ملكة جمال الولايات المتحدة" و"ملكة جمال الكون". 


(يولاندا فوكس، ملكة جمال أميركا 1951)

النقد النسوي التقليدي لمسابقات الجمال، بوصفها تشييئاً للمرأة يدفع النساء للتنافس ضد بعضهن البعض بحسب معايير ذكورية مبالغ فيها، صحيح بلا شك، لكن ليس دائماً. فمسابقات الجمال كانت- كما تشير الوقائع السابقة- ساحة لمقاومة تلك المعايير، وقلبها أيضاً. وفي السياق العربي، تُسجّل مشاركة الرائدة النسوية، درية شفيق، في مسابقة ملكة جمال مصر، العام 1935، وفوزها بلقب وصيفة، واحدة من نقاط التحول تلك. فقبل ذلك التاريخ، لم تشارك أي مصرية مُسلمة في المسابقة، واقتصرت المشارَكات على القبطيات واليهوديات وبنات الجاليات الأجنبية. وستجتذب مشاركة درية، الكثير من الهجوم في الصحف ومن رجال الأزهر، ليس فقط بسبب دياناتها، لكن لتصريحاتها الفخورة بأنها لم تطلب موافقة أسرتها. وفتحت تلك الواقعة الباب أمام المزيد من المصريات للحضور في المجال العام، وستُعدّ درية، لاحقاً، واحدة من أكثر النسويات المصريات تأثيراً. 


(درية شفيق، وصيفة ملكة جمال مصر 1935)

في عقدي السبعينيات والثمانينيات، حظيت مسابقات الجمال بشعبيتها الأعلى، وبنسب مشاهدة تلفزيونية تجاوزت مئات الملايين حول العالم، لكن هذه الجماهيرية لم ترتبط بنزع السياسة عن الجمال، بل العكس تماماً. ففي العام 1970، شهدت مسابقة ملكة جمال العالم المقامة في لندن، سلسلة من الهجمات النسوية الرمزية بقنابل الدقيق ومسدسات الحبر. وفي الدورة نفسها، تم منع جنوب أفريقيا من المشاركة، بعد إرسال ممثلتين، واحدة بيضاء والأخرى سوداء، وبات ذلك المنع واحداً من أقوى العلامات على امتداد حركة المقاطعة، من الدوائر الأكاديمية والسياسية وخروجها إلى ساحة الثقافة الجماهيرية، وسيمتد المنع مدة عقدين، حتى سقوط نظام الابارتهيد في مطلع التسعينيات.

لا تحظى مسابقات الجمال اليوم بما كانت تتمتع به من شعبية في الماضي. ولعل الجدل الذي يحيط بمسابقة ملكة جمال الكون هذا العام، محاولة لإعادة لفت أنظار الإعلام والجمهور، وفرصة أيضاً للتأكيد على أنه لا مكان للجمال مع الكراهية ولا مع التظاهر بنسيان جرائمها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها