المتصفّح للكتاب، أو الذي يتوقف عند كل قسم من أقسامه كي يتمعّن في المحتوى (وهما طريقتان للتعامل مع أي كتاب فنّي، بحيث يتكوّن التعرّف مزيجاً من الحالتين، بحيث تكوّن الأولى إنطباعياً مبدئياً، وتؤدي الثانية إلى تأمّل وأفكار نقديّة)، يجد أن علاقة مارون الحكيم بفن النحت، هي علاقة "مصيريّة". امتدّ إزميله إلى مواد عديدة، تنوّعت بين الرخام والحجر العادي والحجر الملوّن والخشب. خاض دائماً في بحر التجارب والبحث عن شكل نهائي للعلاقة المذكورة، لكن الجهوزية الكاملة في مسائل تمت بصلة للفن تبدو شيئاً مستحيلاً.
العمل الكامل هو عمل ناقص، على ما نعتقد، وكما يعتقد الكثيرون سوانا. وفي الأحوال كلّها، تعامل الفنّان – النحّات مع مادته بشغف، مزوّداً أحاسيس لحظوية، وأخرى كامنة في غياهب اللاوعي. في إحدى زياراتنا لمحترفه المخصص للنحت، المحاذي لمنزله، رأينا ورشة تشبه طاحونة من الطواحين القديمة التي غيّبتها التقنيّات الحديثة. مكان يغلب عليه الأبيض، الناتج من فتات الحجر الناعم. أشار الفنّان الى مساحة العمل وقال لي: "هون لمّا بكون مأجرم". أعجبتني العبارة. ليت نتيجة الجريمة تكون على شكل منحوتة تتناقض في شكل واضح وجلي مع الفعل الإجرامي الحقيقي، في زمن تنتشر الجرائم، على أنواعها، من حولنا، وتبقى من دون حساب أو عقاب.
لم يقتصر نتاج مارون الحكيم على النحت، كما رأينا الأعمال بأمّ عيوننا، وكما تفيدنا صفحات الكتاب. فاللون هو الرافد الآخر، الذي لا تقلّ أهميته عن زميله النحت.
وكما في منحوتاته، التي إتخذت من بعض جوانب الواقع موضوعاً لها، وأتى بعضها الآخر ذو وجه تجريدي، أتت لوحة الفنّان ذات طابع تمثيلي، وخصوصاً حين إرتبطت بحوادث مفصلية شهدتها الساحة اللبنانية، كما جاء النوع الثاني لاتمثيلياً. على أن قسماً آخر ذا أهمية كنّا أشرنا إليها، هو ما سُمي "اللوحة المنحوتة"، التي هي عبارة عن مزيج من المواد لا يخجل بعضها من أن يأتي نافراً، وربما كانت العناصر الأكثر بروزاً، في هذه الحالة، هي الأشد تعبيراً عن الهدف المرتجى من العمل.
تنبغي الإشارة إلى أن الكتاب يتضمّن مقالات وشهادات وصوراً فوتوغرافية من أزمنة مختلفة، يُعتبر الكثير منها إرثاً توثيقياً، كونها شملت العديد من الشخصيّات المتوفاة، وهذا الحكم ينسحب، أيضاً، على الكتّاب والنقّاد الذين غادروا عالمنا. إضافة إلى ذلك، جاءت غالبية الكتابات بلغات ثلاث، كي تتيح للعدد الأكبر من القرّاء الإطلاع على فحواها. في الخلاصة، الكتاب ذو قيمة من نواحيه كافة، ونتمنى أن يعمد فنّانون آخرون إلى إتباع الخطوة نفسها... إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها