الخميس 2021/10/28

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

"جثة متنقلة" لشادي الهبر.. أن تموت وتبقى هنا

الخميس 2021/10/28
increase حجم الخط decrease
تدخل المسرح لتنبعث داخلك رائحة الموت. يحرص الجميع هنا على إدخالك في عمق المشهدية بكل تفاصيلها، ومن ثم تبدأ قصة الشاب المسنّ الذي توقف عمره في التاسعة عشرة، وما زال جسده يرفض مغادرة الأرض. هي مسرحية "جثة متنقلة" لمخرجها شادي الهبر، وقد كتبها وأداها المسرحي ديمتري ملكي، وإلى جانبه الممثل شادي غازي، بحبكة درامية وأسلوب كلاسيكي سلس. كوميديا سوداء، يحاكي ملكي فيها الجندرية والمعاناة والموت والغياب والخيبات وقتل الطموح. سلسلة من الأحداث عاشتها الشخصية في مراحل مختلفة من حياتها وموتها العبثي. 

‎بلا إسم 
الإسم هو الأداة التي تدلّ علينا وتميزنا عن الآخرين. لكن، في المسرحية هذه، لم تحمل الجثة المتنقلة اسماً، ما يطرح أسئلةً في ذهن المشاهد، وربما يكون الجواب هو رغبة الكاتب في تقمصنا شخصية الجثة وإسقاط تفاصيلها علينا. أن لا تحمل اسمًا يعني أن لا تملك حق ملكية، أن لا تملك ما تنسبه اليك. كان في إمكان المخرج الهبر، أن يجعل الجثة تعرِّف عن اسمها في المشهد الأول، حين تستدير في تابوتها نحو الجمهور، وتروي قصتها لكن ذلك لم يحدث... أصر ملكي والهبر على ترك الحرية لنا في التحوّل إلى جثة، تتنقل من مرحلة إلى أخرى كما تفعل الشخصية.

التعلق بحبال الخيال
‎بروح طفولية، يتنقل ديمتري على الخشبة متعلقاً بحبال الفانتازيا، يحركه شريكه في التمثيل شادي غازي، الذي يؤدي دوره بصمت وكأنه محرك الدمى، يتحكم بالجثة ويقودها. يبحث ملكي عن نصفه الآخر الذي خذله هو أيضاً، جثة تبحث عن الحب بعدما سبقها ألف خذلان... يقدّم ملكي نصاً جريئاً بشخصيته، يتعلق الشاب المسن بذكريات الطفولة بعدما صار وحيداً، فصار يقضي وقته مع أميرته التي تعلق بها، لدرجة أنه حولها من قصة إلى مجسم من الخيوط البيضاء والبنفسجية، ثم بعدما حطمته وقتلت رغبته في الاستمرار، أراد قتلها. وبقتلها، أي بقتل الوهم الذي تمثله، أرادت الجثة أن يتقبلها الجميع على اختلافها، وعندما أهانته سيدة المسرح أي معلمته، أراد أن يثبت أنه على حق فاستخدم القوة...

"انت ما بتعرف شو يعني تموت وانت بعدك هون" جملة قالها ملكي في المشاهد الأخيرة من المسرحية، لا يمكن أن تمر مرور الكرام. عندما نموت، نحن نجمع ما تبقى منا ونرحل، نرحل بعد ألف ميتة، الشخصية التي لعبها ملكي عانت في حياتها وخمدت روحها مع كل خيبة، لكنها لم ترحل عن هذا العالم. الموت الأخير بالنسبة إليه كان الراحة، وهو أبى أن يغادر قبل ان يقتل كل مَن خذله وآلمه، قتل الوهم الذي عاش به طيلة حياته ثم رحل.

(*) قُدّمت المسرحية ضمن مشروع "مسرح شغل بيت"، في مسرح المدينة- الحمرا، من كتابة ديمتري ملكي وإخراج شادي الهبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها