الإثنين 2021/10/25

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

غسان عبد الخالق توقع فوز بايدن قبل 16 عاماً

الإثنين 2021/10/25
غسان عبد الخالق توقع فوز بايدن قبل 16 عاماً
من اليمين: الراحل غسان عبد الخالق، ميساء باتع، هيام حموي، أميجو حكمت وهبي، أنطوان نوفل
increase حجم الخط decrease
في 25 تشرين الأول 2004، رحل الناقد السينمائي والصحافي اللبناني، غسان عبد الخالق، في باريس، قبل أن يتجاوز 53 عاماً. وأثار ذلك صدمة، وبعث الحزن في نفوس مَن عرفوه في فعاليات السينما، واستمعوا لصوته عبر الأثير من خلال راديو "مونتي كارلو" الفرنسي من باريس، الذي نافس بقوة راديو "بي بي سي" خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما تأسست هذه الإذاعة في العام 1972 في قبرص، ومن ثم انتقلت إلى باريس في وقت لم يكن الأثير مزدحماً بالإذاعات كما هو اليوم.

وقد حصلت ولادة راديو "مونتي كارلو" الفعلية خلال حرب أكتوبر العام 1973، فواكبتها وغطّتها بطريقة مهنية ولغة سياسية مختلفة عما هو عليه الحال في الإذاعات الدولية، وصلت كل العالم العربي، وأضافت للراديو قيمة أكبر من كونه وسيلة للأخبار والمنوعات، وصار حاضراً أكثر في يوميات القطاع الأوسع من الجمهور. وشاركت في العملية، نخبة من الصحافيين، من بينهم غسان عبد الخالق، أنطوان بارود، هدى الحسيني، نبيل درويش، فايز مقدسي، انطوان نوفل..إلخ. وكانت مواهب عبد الخالق تتجاوز الإذاعة التي صار يعتبرها مهنة، لا أكثر، حينما بدأت المؤسسة، التي أصبحت مرجعية خبرية على مستوى العالم العربي في السبعينيات والثمانينيات، تشهد مشاكل داخلية وتتراجع على مستوى المستمعين، ولم تعد موجودة في خريطة المنافسة بعد حرب الخليج الأولى.

ومن بين مواهب عبد الخالق، النقد السينمائي. وفي العام 1983، أسس، وترأس لمدة سبع سنوات في باريس، أول مهرجان للسينما العربية، ساهم في نقل السينما العربية إلى جمهور واسع عربي وفرنسي، لا يصله الإنتاج السينمائي العربي بسبب نخبوية الصالات الفرنسية، التي كانت تختار عدداً قليلاً جداً من الأفلام العربية. وقامت عواصم أوروبية عديدة بنسخ هذه المبادرة، حتى باتت السينما العربية حاضرة بقوة، وتتبناها مؤسسات ثقافية رسمية مثل معهد العالم العربي في باريس. وأطلق عبد الخالق مجلة "جديد"، الثقافية الشهرية، التي كان معظم محرريها من الصحافيين العاملين في إذاعة مونتي كارلو، واختير منسقاً في فرنسا لمهرجان القاهرة السينمائي في عصره الذهبي، وعضواً في العديد من لجان التحكيم، آخرها لجنة تحكيم مهرجان البندقية في ايطاليا، العام 2003. وحقق عبد الخالق، بدعم من صديقه الوزير المغربي محمد بن عيسى، راعي مهرجان أصيلة، حلماً قديماً بإطلاق ملتقى سينما الجنوب. وأقيمت الدورة الأولى والأخيرة من الملتقى، في صيف 2004، في إطار موسم أصيلة الثقافي في المغرب، ووجه لي عبد الخالق دعوة لحضور ذلك الملتقى، وكانت فرصة جيدة للتعرف على تجارب عشرات السينمائيين من الجنوب، الذين أصبح بعضهم في عداد نجوم السينما العالميين، من المغرب، الجزائر، السنغال، تونس، وساحل العاج. وتحمست لفكرة سينما الجنوب، دول عديدة، من بينها فرنسا التي دعمت هذا المشروع ورعته لسنوات.

ومن المواقف الطريفة أن عبد الخالق، وقبل سفرنا إلى أصيلة، دعاني إلى الغذاء مع السيناتور الأميركي جو بايدن، الذي كان يزور باريس في ذلك الوقت. وجاءت الدعوة من السفارة الأميركية في باريس، التي اتصلت بغسان، وكان آنذاك يشغل منصب رئيس نادي الصحافة العربية، وعرضت عليه حضور حفلة غذاء مصغرة مع بايدن، ومجموعة من الصحافيين تكون فيها حصة نادي الصحافة العربية شخصين، فذهبنا غسان وأنا إلى مطعم فرنسي، وكان الحضور لا يتجاوز العشرة صحافيين، وطلب بايدن أن يتعرف علينا فرداً فرداً قبل أن يبدأ الغذاء، وأن يقدم كل صحافي نفسه بالتفصيل، تاريخ ومكان الميلاد، والاهتمامات..إلخ. وقبل أن نصل إلى الغذاء، كان غسان يريد أن يقنعني أننا نحضر حدثاً تاريخياً، وأن هذا الرجل سيصبح رئيساً للولايات المتحدة، وعلينا كصحافيين عرب أن نحاول توثيق الصلة معه. وحين انتهينا من تقديم أنفسنا، غسان وأنا، أبدى بايدن اهتماماً بنا، وعاملنا بمودة وفتح لنا مجال الاسئلة أكثر من بقية الصحافيين. وكان كعضو مجلس شيوخ، يفكر في الترشح للرئاسة، لكنه انتظر حتى العام 2009 حتى ترشح كنائب لباراك أوباما في الولاية الأولى. والأمر المهم في ذلك الغذاء، أنه كشف عن قيامه بالتصويت في العام 2002، لصالح قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الأبن لاحتلال العراق العام 2003، ودافع عن ذلك بشدة. وبقي ذلك اللقاء محفوراً في ذاكرتي حتى ترشح بايدن للرئاسة وفاز بها، العام الماضي، فتذكرت غسان وذلك الغذاء، وعلى ما أذكر أن غسان كان واثقاً من فوز بايدن.

غسان من ضمن مجموعة من النقاد السينمائيين العرب الذين لعبوا دوراً مهماً منذ الثمانينيات في تطوير السينما العربية، منهم عدنان مدانات (الأردن)، سمير فريد (مصر)، خميس الخياطي (تونس)، وليد شميط (لبنان)، مصطفى المسناوي (المغرب)، أمير العمري (مصر)، ابراهيم العريس (لبنان)، وقصي صالح الدرويش (سوريا). ورحل من هؤلاء، بالإضافة لغسان عبد الخالق، قصي درويش، مصطفى المسناوي، وسمير فريد. ومن حسن الحظ أن بعض المؤسسات السينمائية العربية ما زال يتذكر هذا الجيل، ويقوم بالتفاتة تكريم تجاه بعض رموزه من حين إلى آخر. لكن هذا لا يكفي، ولا بد من إحياء ما تركه هؤلاء في فترة ذهبية من عمر السينما العربية. وغير بعيد من غسان، كان قصي صالح الدرويش، الصحافي السوري الذي عمل من باريس في صحف خليجية عديدة، وكان كاتباً سياسياً وناقداً سينمائياً، وأجرى حوارات مع أهم رجالات السياسية في منطقة المغرب العربي. ومن كتبه المميزة، حواره مع راشد الغنوشي، الذي أصدره في مرحلة كان اسم الغنوشي ممنوعاً في تونس، وجرّب الدرويش إصدار الصحف من باريس، فأصدر مجلتي "الحدث" (سياسية)، و"سينما" شهرية، لكن مشاريعه لم تدم طويلاً بسبب تذبذب التمويل. ويستحق قصي، مع هذه النخبة من نقاد السينما، التفاتة تكريم من المؤسسات العربية المعنية، للدور البارز الذي لعبوه في خدمة السينما العربية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها