السبت 2021/10/23

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

الجونة: مهرجان التسلية... المهرجان كتسلية

السبت 2021/10/23
increase حجم الخط decrease
"بدأت الجونة من رحلة بحث رجل واحد، عن أجمل بقعة على شاطئ البحر لبناء منزل ورصيف صغير للقوارب".. النص الافتتاحي للموقع الإلكتروني لمنتجع الجونة، يشير إلى عملية تأسسيه على أنها رحلة اكتشاف كولومبية، يهتدي فيها سميح ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، قبل ثلاثين عاماً، إلى "الجنة في الصحراء"، ليتشارك هذه اليوتوبيا مع أصدقائه أولاً، ثم مع الجميع.

بات المشروع في أحد وجوهه، نسخة مجتمع الأعمال من شرم الشيخ، منتجع الدولة، وعاصمة حسني مبارك البديلة التي انسحب إليها خلال عقده الأخير. لم تصبح الجونة قرية سياحية أخرى على البحر الأحمر، بل "مدينة مكتفية بذاتها"، كما يقول موقعها، ولها "سكان أصليون"، نوع من عاصمة بديلة مغلقة على طبقة بعينها. تتمتع البلدة، التي لا تبعد كثيراً عن الغردقة، بمطارها الخاص، ونادٍ رياضي نافس فريقه لكرة القدم في الدوري المصري، ومدارس دولية ومستشفى لا يكتفي بمعالجة الأعراض الطارئة، بل يحتوى على قسم للتجميل أيضاً، هذا بالإضافة إلى ملاعب الغولف، وأرصفة اليخوت وأنشطة الغطس والرياضات المائية، وقاعات للمؤتمرات.

في العام 2017، استضاف المنتجع، المهرجان السينمائي الأول الذي يحمل اسمه. الإشارة إلى "ريفييرا البحر الأحمر"، ربما توحي بأن المهرجان محاكاة بطموح محلي لمهرجان "كانّ" الفرنسي، لكن ربما تكون دوافع تأسيسه أقرب إلى مهرجان البندقية، والذي بدأ كواحد من فعاليات بينالي المدينة الأشهر، بغرض ترويج المدينة سياحياً. إلا أن الدعاية السياحية لا يمكن فصلها عن السياسة. فمهرجان البندقية، بعد عامين على إطلاقه، أعلن أول جوائزه الرسمية، باسم كأس موسوليني، في إطار الترويج للبروباغندا الفاشية. وفي العام 1939، تم إطلاق مهرجان "كانّ" بوصفه ردّ الحلفاء السينمائي على دعاية دول المحور. لكن، ولسوء الحظ، فإن الأراضي الفرنسية اجتِيحت حرفياً إثناء العرض الافتتاحي، ولم يُستأنف المهرجان الا بعد نهاية الحرب. أما برلين، المهرجان الأخير ضمن الثلاثة الكبار، فكان ثمرة مبادرة أميركية لمنافسة التأثير الثقافي السوفياتي في برلين الشرقية، وإعادة توجيه ماكينة الثقافة الألمانية في مطلع الخمسينات. 

بعد الثورة، كثفت عائلة ساويرس، الأغنى في مصر وواحدة من بين الأغنى في أفريقيا، من محاولات توسيع مجالات تأثيرها، لتتخطى مجال الاقتصاد إلى أمور أخرى. فبين مِلكية وسائل الإعلام، محطات تلفزيونية وصحفاً ومواقع إلكترونية، أسس نجيب ساويرس حزباً سياسياً، حزب "المصريين الأحرار"، وكان أطلق جائزة أدبية باسم جائزة ساويرس الثقافية في العام 2005، وأصبح موعد إعلانها الحدث الأهم في خريطة الفعاليات الأدبية في مصر. وفيما تباينت تلك المبادرات في حظوظ نجاحها، فإن مهرجان الجونة، وخلال فترة قصيرة، لا تتجاوز بضع سنوات، أثبت إنه الأكثر نجاحاً، سواء على مستوى الترويج الاستثماري لمشاريع "أوراسكوم" أو من ناحية تعزيز حضور عائلة ساويرس في الساحة الإعلامية.

التمويل غير الحكومي للمهرجان منحه وضعاً استثنائياً بين المهرجانات السينمائية في مصر والمنطقة عموماً. فبالإضافة للمرونة السياسية والأخلاقية التي تتمتع به إدارته، يتوازى في فعاليات المهرجان، حدثان منفصلان، لكنهما يتقاطعان أحياناً: مسابقة سينمائية تشارك فيها أفلام على مستوى فني عالٍ وتحكّمها لجان على المستوى ذاته، جنباً إلى جنب مع استعراض على السجادة الحمراء لمشاهير السينما التجارية، ويتضمن لقاءات تلفزيونية وتعليقات على الأزياء وملاسنات وتصريحات مثيرة للجدل وإدانة متكررة لـ"العُريّ" والذوق الركيك.

وفيما تعمل المسابقة على ترسيخ مصداقية المهرجان، كحدث ثقافي جاد للسينما الرفيعة على مستوى إقليمي، فإن العرض التجاري للمشاهير المحليين على السجادة الحمراء، يضمن الاهتمام الجماهيري الواسع وتعزيز صورة المجتمع المخملي الذي تمثله الجونة. المنتجع والمهرجان، نقطة تقاطع السوق الثقافية مع السوق المادية.

لكن مساحة المناورة التي يمتلكها المهرجان، بفضل تمويله الخاص، تصطدم مع محددات الأمن في النهاية، وكذا فإن خليط التجاري مع الفني الرفيع، لا يلبث أن يكشف عن تناقضاته. ويبدو ذلك جلياً في سلسلة الفضائح التي تلاحق المهرجان، وبالأخص في دورة هذا العام، والتي تراوحت بين المنع الأمني لبعض المشاركين في المهرجان ومقاطعته، ومهاجمة البعض لأحد الأفلام بحجة الإساءة لصورة البلاد، وأخيراً استقالة مديره الفني المفاجئة.

في المحصلة النهائية، لا يظهر أن هذا كله قد أضر بفعالية المهرجان الترويجية، بل على العكس قدمت المشاحنات والفضائح المتتابعة، بل وحتى الحريق الذي شب قبل بداية المهرجان، مادة جذابة لتسلية الجمهور وتأجيج الجدل. أما عرض الأزياء على السجادة الحمراء، مع ما يصاحبه من امتعاض واعتراضات أخلاقية، فيبدو وكأنه حملة إعلانية بعُشر الثمن، تضع أكبر عدد من المشاهير على الشاشة بأقل كلفة ممكنة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها