الإثنين 2021/10/18

آخر تحديث: 12:43 (بيروت)

رامبو في الشياح.. وشبح في عين الرمانة

الإثنين 2021/10/18
increase حجم الخط decrease
آلت مقتلة الشياح عيد الرمانة، أو الطيونة، إلى صور تحمل الكثير من الدلالات والتأويلات، وهي في مختصرها فيلم وثائقي مبعثر، يعلق عليه الجمهور ويستنبط لغته ومعانيه وتعابيره ومبانيه. والصور، من الجانب المسيحي أو عين الرمانة مثلاً، كانت شبحية، لم تلتقط الكاميرات أو الهواتف النقالة ما قيل في الروايات والأخبار والبيانات عن وجود قناصين ومجموعات مسلحة. لا صورة لقناص، أو مقاتل، وإن كانت صورة هذا المقاتل في متخيل بعض الإعلام جاهزة المواصفات (قواتيّة)، بغض النظر عن الجهة المتورطة في إطلاق النار. في المقابل، كان المسلحون في الشياح، أو حيث جمع من الشيعة، يخوضون قتالاً، وكانت الصورة رامبوية (سينمائية) بامتياز، نسبة إلى رامبو بطل العضلات الأميركي وليس الشاعر الفرنسي. الرجل مفتول العضلات الذي يطلق النار، وربما قبل تنفيذ مهمته، ينتظر تشغيل الهواتف النقالة ليكون الرصاص على وقع الصور. والصور ليست على سمة واحدة ومعيار واحد، فرغم دموية المشهد وهوله، كانت العدسة تقبض على لحظة تهكمية أو صور تستدرج مئات التعليقات الساخرة، خصوصاً ذلك المسلح الذي كان يطلق النار وهو يرتدي الكمامة، وكانت تعليقات إن المسلح يخوض المعركة (أي القتل والقتال) مع التزام التدابير الوقائية الخاصة بكورونا... 

الصور الأكثر تهكمية، ذلك الرجل المتفرج الذي يحمل سيجارة ويمتاز بـ"كرش الوجاهة". يأتي بهدوء، يقف يقرب مجموعة من المسلحين بعضهم يطلق النار والبعض الاخر يختبئ خلف جدار، وبالقرب منهم لافتات "يا حسين"... ذلك الرجل المتفرج كانت تنقصه نارجيلة، فبدا وكأنه يشاهد مونديال كرة القدم، وليس معركة، وقف في مكان يفترض أنه إذا أطلق رصاص من الجانب الأخر سيكون باتجاهه أو سيصيبه، فهو الأكثر ظهوراً... ثمة من قال إن الرجل، ربما كان مقاتلاً سابقاً، يقف مطمئناً، لأنه يعرف أن أحداً لن يطلق الرصاص من المبنى المقابل، كأنه اختبر المكان قبل زمن من الآن، ويقف يستكشف الجيل الجديد ماذا يفعل.

الصورة الأكثر لفتاً للانتباه، لم تكن تهكمية بل دموية، ذلك الشاب الذي حمل القاذف المضاد للدروع ويريد إطلاق القذيفة، كان الرصاص يسقط بين قدميه في البداية والمجموعات المتفرجة تتسابق لتصويره. من بعيد، بدا وكأنه يتصرف في بروفا لمشهد في فيلم سينمائي، وقف في مكان مكشوف، بلا وجل ربما، أتى وعاد، كان يريد أن يطلق قذيفة ولم يطلق، كان يعود لإطلاقها وتلقى رصاصة كانت كافية لتجعله يسقط أرضاً... ذلك الموت جعل رفاقه ينشرون مساره القتالي، في مناطق أخرى.

ماضي الأيام الآتية
الجانب الآخر من صور المقتلة، ربما ينبغي تسميته "ماضي الأيام الآتية" بالإذن من الشاعر أنسي الحاج. فبعد نهاية الحروب الأهلية اللبنانية المتعاقبة وبدء مشروع الإعمار، كثرٌ من المصورين المحترفين، كانوا يلجأون إلى التقاط صور للشوارع والأحياء، كيف كانت خلال الحرب وكيف أصبحت بعد الإعمار أو الترميم. الصورة تقرأ الذاكرة والحاضر. المصور نبيل اسماعيل، نشر الكثير من الصور في حسابه الفايسبوكي، تتضمن بيروت خلال الحرب وخلال السِّلم. المصور أيمن تراوي أصدر كتاب: "بيروت: حروب التدمير وآفاق التعمير"، الذي يضم صوراً لبيروت، لا سيما وَسَطها التجاري، إذ أراد تراوي أن يقدم المدينة، ويُنسي براثن الحرب، ويبرز جمالية الهندسة المدنية والمعمارية، ومدى التطور الذي أصبح يواكب مختلف مرافق العاصمة. الإعلامي زافين قيوميجيان أصدر كتاب "لبنان فلبنان" العام 2003 مصوّراً كيف يتغير لبنان من مرحلة إلى أخرى، من خلال أشهَر صور الحرب، توازيها صور أحدث التقطت للمكان نفسه أو الشخص من الزاوية نفسها... وعدا الكتب، وقبل وبعد، كانت صور الحرب تنشر مرفقة بعبارة "تنذكر ما تنعاد"، وصار هذا الشعار لازمة زمن السِّلم. وبعد مقتلة الطيونة، بدا أن الحرب "تنذكر وتنعاد". استحضر ناشطون في الانترنت صوراً من مقتلة الطيونة 2021 وقارنوها مع صور حرب 1975. المشهد يتكرر بين الأمس واليوم، سواء بصور المقاتلين وهم يتمترسون خلف السيارات أو المتاريس، أو صور المواطنين الهاربين من جحيم الرصاص، أو صور الذين يقيمون الحواجز أو يتجولون بسيارات مدججة بالسلاح. ساعات كانت كافية لتذكير اللبنانيين بحرب استمرت 15 عاماً، وثلاثة عقود مضت على توقفها. ساعات هي استئناف لحرب لم تنته فصولها...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها