الأحد 2021/10/17

آخر تحديث: 06:51 (بيروت)

حزب الله: حين يتورّط الفرعون أو يخاف

الأحد 2021/10/17
حزب الله: حين يتورّط الفرعون أو يخاف
استعراض القوة
increase حجم الخط decrease
في الذكرى الثانية لانتفاضة 17 تشرين الأوّل، التي تأتي هذه السنة كئيبةً على وقع الدم المسفوح في شوارع بيروت، يتبدّى للمرء أنّ حزب الله لم يتعلّم بعد شيئاً من خبرة السنتين الماضيتين. أما حان لهذا الفصيل المسكون بعمارته الإيديولوجيّة وهواجسه عن المؤامرة الشعواء القادرة على أن تجيّش ضدّه ملايين البشر أن يفقه أنّ ثمّة شرائح مجتمعيّة واسعة ضاقت ذرعاً بما يمارسه منذ أعوام من تهديد وطغيان وقمع؟ إنّ المشهديّة التي طالعتنا في بيروت يوم الخميس الماضي هي، في بعض مظاهرها، عنوان لهذه النقمة التي باتت خطورتها تكمن في قدرتها على أن تتّخذ في المستقبل مظاهر عنفيّة ربّما تتعذّر السيطرة عليها.


ولكنّ هذا العنف، في حال حصوله، إن هو إلّا العارض، لكونه يشكّل ردّ فعل على عنف بنيويّ أكثر عمقاً وأكثر تغلغلاً في تفاصيل حركيّة المجتمع. ومن الطبّ نعرف أنّ الأمور لا تستقيم بمعالجة العوارض، بل بالتصدّي للأسباب الكامنة للداء في طبقاته العميقة. ظاهريّاً، تحيلنا مشهديّة ما جرى في عين الرمّانة، من حيث رمزيّة المكان والأسلوب، إلى حادثة البوسطة مع بدء الحرب الأهليّة، وتالياً إلى الخوف من اندلاع هذه الحرب مجدّداً. لكنّ الذي يتلهّى بالقشور، على الرغم ممّا تتمتّع به المقارنة السطحيّة من جاذبيّة، تغيب عنه نواة الأشياء، ويغيب عنه عمقها. وفي العمق، المشهد يأخذنا إلى تهافت الدولة الناتج من قضم مؤسّساتها الواحدة تلو الأخرى، وإلى متتاليّة فائض القوّة المستمدّة من السلاح ومن وهم الانتصارات في الإقليم، والتي أفصحت عن ذاتها في خلدة وشويّا ومغدوشة. وهو يحيلنا أيضاً إلى لازمة «شيعة شيعة» التي قمعت انتفاضة 17 تشرين، إلى الرصاص المطاطيّ الذي فقأ العيون، وإلى خاتم الأمين العامّ لحزب الله الذي حمى الطغمة السياسيّة المارقة ومنع سقوطها بعد قيام الانتفاضة الغرّاء، ربّما لأنّ عنكبوت الفساد هي أكثر قدرةً على خدمة ميتافيزياء المقاومة من طهارة شباب لبنان الذي انتفض في تشرين.


تعالوا نضع الأمور في نصابها ونقرأ الأشياء في عمق دلالاتها: معزوفة «السلم الأهليّ»، التي يتشدّق بها المتشدّقون، مجرّد شمّاعة، لا لأنّ التسالم بين الناس غير ذي أهمّيّة، بل لأنّ هذا «السلم» المزعوم إن هو إلّا عنوان المحافظة على التوازن بين أقطاب المنظومة السياسيّة التي تتقاسم البلد وتوزّعه غنائم بعضها على بعض، وتالياً تكريس لقاعدة الإفلات من العقاب التي باتت هي القاعدة منذ نهاية الحرب الأهليّة على الأقلّ. وهناك شمّاعات أخرى مثل ضرورة اللجوء إلى التحقيق الدوليّ، لأنّه يفترض مسبقاً عدم قدرة القضاء اللبنانيّ على الإنجاز، علماً بأنّ هذا القضاء بدأت تلوح تباشير انتفاضته على ذاته، وعلى الخدر الذي زجّه فيه أهل السياسة. وهذا، للشكّاكين، لم يكن ليتحقّق لولا الوعي الجديد الذي زرعت ثورة 17 تشرين اللاعنفيّة بذوره في ثنيّات المجتمع. أمّا رفع الحصانات عن «الجميع»، فهو شمّاعة أخرى لا لأنّه غير قابل للتنفيذ، بل لأنّ القول به لم يتخطَّ حدّ الخطابيّة الجوفاء، إذ لا أحد يجرؤ على خوض معركته في الندوة البرلمانيّة. وأخيراً وليس آخراً، هناك شمّاعة الشعب الذي يتقاتل بعضه مع بعض لأنّه طائفيّ في تركيبته السيكولوجيّة، وكأنّ المجتمعات جواهر سابحة في الفضاء لا تتبدّل، ولا تتعلّم من تجاربها.


حين تتقاطع الأمور وتتشابك، لا بدّ من توسّل الحقائق الأولى منعاً للتشويش والغرق في الجزيئيّات. والحقيقة الأولى في بلدنا اليوم هي أنّ هناك مشروعاً للاستيلاء على الدولة مع المحافظة على مجرّد هيكلها العظميّ. هذا المشروع يجري تخديمه عبر طبقة سياسيّة مافيويّة لا تستحي، بل تسوّل لنفسها استخدام الوسائل جميعها، من الترغيب مروراً بالعصبيّة الطائفيّة وصولاُ إلى الترهيب، بغية تطويع الناس وتدجينهم. وإنّ جسامة ما يقوم به قاضي التحقيق العدليّ في جريمة انفجار مرفأ بيروت تكمن في أنّ الزمرة المافيويّة مرتعبة من أن يفتضح أمرها. أمّا السلاح الذي يحميها ويمنع سقوطها المدوّي، فهو إمّا متورّط وإمّا خائف من أن تؤدّي الحقيقة إلى انهيار رقعة الدومينو التي لطالما تعب في تفصيل مقاساتها وتنظيمها وتشكيل حجارتها.

إنّ مشهديّة الخميس الماضي تظهر، بما لا يقبل الجدل، أنّه آن للفرعون الذي يتفرعن أن يفقه أنّ العنف لا يولّد سوى العنف، وأنّ الإمعان في الغيّ لا ينتج منه سوى الحقد، والحقد يدمّر كلّ شيء. والحقّ أنّه كان على الفرعون أن يدرك ذلك في خلدة أو شويّا، لكن ليس من النادر أن يصيب الخوفُ العقلَ بالذهول والشلل… والله أعلم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها