انتقاله هذا له ظرفه الأساس هو ما يمكن اختصاره بأمر بسيط، وهو دخول المجتمع إلى الميديا، حيث يتبدل، ومن اثار تبدله الاولية هذا ان يصير "ما يسمى" بالمجتمع، اي أن يقوم بكل تفتته. بالتأكيد، هنا لا مناص من القفز فوق هذا الأثر، والذهاب إلى ما ينم عنه، وهو أن فاعلاً "ما يسمى" المجتمع هذا يصير المتفرج. ولكن، هذا المتفرج، ليس ذاك، الذي كان عرضة للنقد في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، المتلقي، الذي يمتص المشاهد، الذي ينأخذ بها الخ. ليس هذا هو المتفرج، مثلما صوره ذلك النقد كاريكاتورياً، بل أنه صانع ما يتفرج عليه: انه منتج اكثر مما هو مستهلك. فحين يقف في طابوره متفرجاً على مسلحي حزب الله، ملتقطاً إياهم عبر عدساته، يبدو أنه يمارس سلطة ما عليهم. وهذه السلطة هي سلطة المشجع لهم بالتأكيد، ولكن، ذلك لا يعني أن تشجيعه هو مجرد دفع خالص لهم، يريد منه أن يحققوا هدفهم. على العكس، تشجيعه لهم هو حضّ لهم على أن يحققوا هدفه هو، وهو إنتاج فيديوات وصور، ستنتشر لاحقاً-وبحسب عبارة مبتذلة ثانية - كالنار في الهشيم التواصلي. حضّه لهم هذا يجعلهم يربطون فعلهم المسلح بنوع من التأدية، أن يطوونه على استعراض ما. جعله كذلك يعني انهم، وفي إثر ذلك الحض، سيفرطون فيه لكي يعطوا الطابور ما يطلبه منهم، وبهذا بالتحديد، يظهرون انهم "يشبّحون" من أجله، من أجل أن يحقق إنتاجه.
في الواقع، هناك شيء ما في موقف حزب الله الحالي يتعلق بصلته مع "الطابور الأول"، وهو انه منأخذ بحضّه له للغاية. فهذا الحزب هو أيضاً في الميديا، بمعنى أنه يبني تصوره عن ذاته عبر تأدية صورة ينتجها الإعلام عنه، ولا يتوانى عن تأديته كأنه يريد أن يحققها له أكثر فأكثر. بالتأكيد هذه الصورة هي كونها على فائض من القوة، وهي ان كانت التقطت له في لحظة ما، فقد ذهب بها إلى حد اقتناعه بكونه عليها. بطريقة اخرى، صاحب فائض القوة صار على قناعة تامة بأنه صاحبها، بأنه سيفعل ما يريد بها، بأنه سيقتل، ويهدد، ويلاحق، هكذا، ولن يجد في مقابله سوى الاذعان. ولكن، قناعته هذه ليست سوى سبيل الى نهاية فائض قوته، والنهاية هذه ترادف ان ينتقل إلى أن ينفي كونه ليس عليها: ان يخبرنا دوما انه قوي، وله من القوة فائض، أن يتخطى فائض القوة إلى اكثر منه لكي يقول انه يمتلكه. بهذا الشكل، حزب الله، وبما هو يؤدي تصوراً عنه، يجعله مقتنعا بفائض قوته، ويريد الإقناع بها إلى حد "شرشحتها"، يطعن بالاندماج بحضّ الطابور الأول له. وعندها، يعبر، مثلما تقول عبارة مبتذلة ثالثة، إلى الميديا!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها