الجمعة 2021/01/22

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

شاكر الأنباري... عبارات جميلة عن الديموقراطية تركها لنا الغزاة

الجمعة 2021/01/22
شاكر الأنباري... عبارات جميلة عن الديموقراطية تركها لنا الغزاة
غرافيتي عراقي
increase حجم الخط decrease
مع كل مأساة تضرب أسس المجتمع العراقي نتساءل عن المعنى، والدلالة الكامنة وراء كل ما جرى، ويجري. معنى ودلالة ما وصل إليه الزمن الأخير الذي عشناه على وقع تغييرات جذرية في حياتنا. ولو حسبنا خسائرنا وأرباحنا، مثل تاجر ذكي، لوجدنا أن الأرباح كانت يسيرة، إن لم نقل تافهة، فقد تم تحطيم الدولة بجدارة فائقة، بمعنى حل الجيش والأمن والمخابرات والمرور والشرطة، كما تمت إبادة جهاز الخدمات في المدن كلها، إذ ليس هناك جهاز خدمات وسط دولة منحلة، ودفعنا بعد كل هذا مئات آلاف البشر قتلى في العمليات العسكرية وما تلاها من تمردات، وإرهاب، ومقاومة، وعصابات، وميليشيات، وأحداث عرضية، وأحداث غير قتالية.

كنا شهوداً على انهيار منظومة الكهرباء الوطنية، ومنظومة الاتصالات الوطنية، ومنظومة التوزيع التجاري، والمنظومة التعليمية، مثلما انهارت المنظومة الصناعية للبلد. عشنا الانهيار الشامل عشرين سنة. لم يعد لدينا أي معمل يسد حاجتنا، وأغلقت مئات المعامل والمصانع أبوابها، بعد أن صارت سمسرة الاستيراد الخارجي تدر أرباحا مضاعفة. صرنا نستورد العدس والحليب والرز واللحم والسمك والطحين والفجل والبرتقال والرمان ومولدات الكهرباء والكهرباء والماء، برغم أننا نمتلك نهرين وأكثر، وآلاف آبار النفط، وسهول شاسعة لزراعة كل شيء، ونمتلك ملايين الأيدي العاملة التي تجلس في الشمس تحدق إلى مصيرها المجهول، منتظرة تلك القنبلة الحية المتحركة التي ستنفجر في وجوههم، أو الرصاصات المجهولة المصدر. وبرغم أن ذلك الاحتلال "اللطيف" أسقط لنا أعتى ديكتاتورية عرفها التاريخ، دموية لا مثيل لتوحشها وبربريتها وأدلجتها الكاذبة، إلا أننا اليوم نمتلك عشرات الصحف، ومئات الإذاعات والفضائيات والأحزاب، تتبارز في ما بينها على بث سموم طائفية مقيتة، أو تشويه خصم، أو خلط أوراق وتزوير حقائق أو حجبها أو التعتيم عليها، لكي يتم الضحك على الذقون بشكل قانوني. 

خلّفت لنا الجيوش الغازية التي انسحبت طبقاً للقانون، والدستور، والاتفاقيات المعلنة، عبارات جميلة عن الديموقراطية، وحقوق الانسان، والتطور، والحداثة، والانتخابات النزيهة، فيما هي تنظر بعجب إلى الغابة التي تركتها خلفها وتتصارع فيها وحوش الجهل، والتطرف، والعنف، والنفاق. وكأنهم لصوص يتعجلون الفرار خوف انكشاف الجريمة. لم يفكروا حتى ببناء مركز ثقافي حقيقي لهم، ولم يتركوا شيئاً من إرث والت ويتمان وأرنست هيمنغواي وجون شتاينبك وأدغار ألن بو وهنري ميلر وبول أوستر، أو تأوهات بوب مارلي وألفيس بريسلي ومادونا وشاكيرا، ولا بنوا مختبراً يعلمنا أسرار مدام كوري ووكالة ناسا وكيف نقوم بغزو الفضاء واكتشاف حياة أخرى في المجرات البعيدة. كما لم يتركوا وراءهم موقعاً إلكترونياً بحجم أمازون للكتب، أو مكتبة تضم تراث البشرية بحجم مكتبة الكونغرس، برغم أنهم تصرفوا بأموالنا حوالي العقدين من السنين، وكانت قد بلغت مليارات بعد مليارات، صرفت بشكل غامض على تأبيد الخراب، وتأجيج الصراعات المذهبية، وتعليمنا فن البراغماتية، واللعب على الحبال، وأدخلتنا في غرفة أشباح على أنها غرفة فن إدارة الدولة.

عقدان تقريباً من السنين نعود بعدها إلى نقطة الصفر، إلى مجتمع منقسم، وفوضى سياسية، وخوف على المستقبل، وهشاشة مجتمعية، ومؤسساتية، وأمنية، وتفجيرات دامية وضياع وطني، يمكن لأي ملف من الملفات تلك الانفجار في وجوهنا في أي وقت، ومكان. تلك أرباح أم خسائر؟ ومن هو المسؤول تاريخياً، وأخلاقياً، عن حصولها؟ وعن المآل الذي وصلنا إليه؟ هرب اللصوص وأزلامهم وتركونا نضرب أخماساً بأسداس، هل نلقي اللوم عليهم، أم على أنفسنا ومجتمعنا المتخلف المليء بالعقد والثارات والانقسامات، أم على تلك الحقبة الحزبية المقيتة التي حكمتنا ثلاثة عقود وأوصلتنا الى هذه النتيجة؟ كلها أسئلة نافلة، لم تعد لازمة، ولا تعني شيئا، إذ أن ما حدث قد حدث، وحجم خسائرنا التي نعيشها اليوم قد يصبح مضاعفا، غدا وبعد غد، حتى آخر الزمن المكتوب.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الأنباري في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها