الثلاثاء 2021/01/19

آخر تحديث: 19:27 (بيروت)

الناشط البرتقالي

الثلاثاء 2021/01/19
الناشط البرتقالي
increase حجم الخط decrease
يستيقظ الناشط العوني في الصباح التالي لإعلان وزارة الصحة توقيع العقد مع شركة "فايزر". يُعدّ فنجان قهوة في كوبه البرتقالي المفضل، ويبدأ استعراض السوشال ميديا كجنديّ هُمام. الجو العام يكسوه الترقب والتمني. الجرعات المفترض وصولها خلال أسابيع، بموجب عقد "فايزر"، تبلغ 1,2 مليوناً. والجرعات المفترض الحصول عليها من منصة "كوفاكس" المدعومة من منظمة الصحة العالمية 1,7 مليوناً، والقطاع الخاص يسنّ أسنانه على استيراد كميات أخرى. لكن ثمة ما لا يَطمَئن له الناشط، فالكميات والأرقام والمواعيد ما زال ينقصها اليقين، والعوني يحبّ اليقين الذي لا يزحزحه منطق ولا تساوره أي أسئلة. فهو لا يعيش بلا ثوابته التي لا فطام منها أبداً، ولهذا هو متفوق، متميز، خلاصة لبنانية مُقطّرة مثل العرَق البلدي.


يفكّر الناشط المتعلّم، ويحسب. كميات لقاح كورونا الموعودة حتى الآن، لا تكفي نصف سكان لبنان (جرعتان لكل شخص). وإذا كان لبنان قد حظي بقرض من البنك الدولي لإبرام العقد مع الشركة شأنه شأن البلدان القادرة -ولو بالدَّين، لكن المثل يقول جاوِر السعيد تَسعد. والأمم المتحدة تدعمه في "كوفاكس" للحصول على كميات أخرى، شأنه شأن البلدان الفقيرة. فلا بد من حماية هذه المكتسبات، والمكتسبات حين تُكرّس تصبح حقوقاً. حقوق نحصدها من كل الجهات، نُعمل المنجل بشكل دائري، ويقشّ القاشوش الشاطر. الناشط ورفاقه في "التيار" أكثر من يعرف هذه الحقيقة البسيطة والخارقة، بل إنهم مخترعوها. وعليه، فحقّ اللبنانيين أولاً. وماذا عن اللبنانيين الذين يتلقون اللقاح في دول الخليج أو أميركا أو أوروبا؟ هؤلاء مقيمون شرعيون، دافعو ضرائب. يرتاح الأورانجي لهذه الفكرة الجامعة للمجد من طرفيه: مستندة للقانون ومُداعِبة للذات المتورّمة... رغم التقارير عن لبنانيين مشاريع مهاجرين غير شرعيين عبر البحر، فأولئك ليسوا "منّا". طيب، ماذا يعني القرض الدولي، وكيف سيُسدّد؟ باحتياطي الموازنة؟ ومِمّ سيحُرم اللبنانيون في المقابل؟ ومن أوصلنا إلى لبنان المفلس الذي يصلّي كي تهتم به "كوفاكس" كما تهتم بدول المَجاعات؟ وهل يجوز لمتسوِّل أن يضع شروطه؟

تسؤ تسؤ تسؤ.. يكشّ الناشط تساؤلات يراها في حسابات "تويتر" يتابعها من باب "إعرف عدوك". كما يقرر تأجيل الكلام عن المسيحيين مؤقتاً، ريثما يصل اللقاح. فكل شيء في وقته، والحرب تخاض معركة معركة. الآن سيكافح ملايين اللاجئين السوريين والفلسطينيين والسودانيين والعراقيين.. والله أعلم من أين أيضاً يهبط علينا كل هؤلاء الغرباء. الله أعلم، وليس "حزب الله" بانخراطه في الحرب السورية، مُشرّداً مدناً وقرى بأكملها. الله أعلم، وليس إسرائيل التي طردت الفلسطينيين من أرضهم، واختار لبنان المارونية السياسية، وبكل أريحية اصطفائية، تجنيس مسيحيين منهم، لتظل البقية "بعبع التوطين". الله أعلم، وليس الدولة اللبنانية التي تصدر لبعض هؤلاء وثائق اللجوء، أو تسوّي أوضاعهم بنفسها، أو تعترف بالوثائق التي تصدرها الأمم المتحدة، ثم تتشاطر بالاستفادة من رخص أيديهم العاملة وحرمانهم من الحقوق، والحركة التي يضيفونها للاقتصاد اللبناني، كمستهلكين ومستأجري بيوت وموضوع عمل جمعيات أهلية فيها موظفون لبنانيون.. والأهم: بلع المساعدات الدولية الآتية لهم وتوازعها بين الأقطاب، وزراء ونواباً وأحزاباً.

نعم، يفكرّ الناشط مجدداً، الله أعلم، ويجب أن تدفع ثمن اللقاح للاجئين، السلطاتُ السورية التي تقتلهم وتهجّرهم وتعرقل عودتهم، والسلطة الفلسطينية التي تعيش بدورها على المساعدات. أما الأمم المتحدة، فللبنان وحده، الذي أفلسه ودمّره قادته وساسته ولم يلتزم بالحد الأدنى من الشفافية المطلوبة من جهات دولية للحصول على مساعدات تنتشله -ولو قليلاً- من حفرته. نعم، يقتنع الناشط بما هو مقتنع به سلفاً: هذا هو المنطق.

لكن، لا وقت للتلهي بمناوشات جانبية. ركّز يا أورانج، ركّز. المهم الآن، التغريدة. عليه أن يحث جميع اللبنانيين الأوفياء للأرزة والفينيق، على التغريد معه تحت عنوان #اللقاح_للّبناني_أولاً. سيكتب أن على الأمم المتحدة استكمال اللقاح لجميع اللبنانيين قبل أي غريب. يعرف أن أول كلمة ستَرِد في التعليقات هي "عنصري". لكن الأمر ما عاد مهماً، هم اعتادوا استخدامها، واعتاد هو ورفاقه الرد البديهي "عنصري بلبنانيتي.. عنصري وأفتخر". أصلاً، هؤلاء المتفذلكون بكلام كبير، فلول "الحركة الوطنية"، مطلقو "الانعزالية" على اللبنانيين الأقحاح الصحيحين، جماعة الكتب وحكي الجرايد، من يأبه لهم؟ كلامهم على صباط الناشط، ولن يصل حتى إلى ما تحت زنار الجنرال. ثم إن اللبنانيين، حين يتلقون اللقاح ويصبحون على مناعة في بلدهم، لن يعودوا عرضة للعدوى من إصابات بين اللاجئين غير الملقّحين والذين، إن دخلوا مستشفيات أو مستوصفات، فستكون مما يخصص لهم وفي مناطقهم.. وأصلاً مَن يُخالط هؤلاء، فلا قامَت له قائمة. 

يكمل الناشط النشيط تصفحه المثابر. يقرأ تغريدات الدكتور تيدروس في حساب منظمة الصحة العالمية. أليس من أصل إثيوبي هذا الدكتور؟ لعله من مسيحيي إثيوبيا؟ يهز رأسه هزة، هي التي فعلاً الله بها أعلم. حسناً، ما علينا. ينتقد تيدروس بشدة بعض البلدان والشركات التي تعطي الأولوية للاتفاقات الثنائية، التفافاً على منصة "كوفاكس"، وفي محاولة للقفز عن الدور في الطابور، ما يسبب استنفاد الكميات المنتجة من اللقاح بشكل غير عادل إنمائياً ويؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار. ويحدد تيدروس 44 اتفاقاً أبرمت العام الماضي، و12 اتفاقاً في العام الجاري الذي ما زال في أوّله، ويقول إن العالم على حافة فشل أخلاقي كارثي...

يا عمّي بلا أخلاقي بلا بطيخ، يكاد "عَونك جايي من الله" يقولها بصوت عالٍ. ثم يستدرك: والله برافو، حمد حسن. لا بد أنه أحد موقّعي الاتفاقيات الـ12 الجديدة. يا أخي هؤلاء الناس يعرفون من أن تؤكل الكتف. تربية حزب يعرف كيف يؤمن ناسه مهما كانت ظروف البلد، سواء بالدولار أو القروض الحسنة أو المحروقات. البارحة فقط، قرأ الناشط تحت هاشتاغ "حزب_الله_مع_الناس" خبراً بعنوان "هدية حزب الله قبل 3 أيام من العاصفة": "3 ملايين و500 ألف ليتر مازوت إلى 20 ألف عائلة في البقاع وبعلبك والهرمل. و216 ألف ليتر مازوت إلى 920 عائلة في البقاع الغربي".

لكن الإعجاب لا يعني النوم على حرير. غداً حينما تصل اللقاحات، سننتقل إلى المرحلة الثانية: نطالب بأولويات ضمن الأولويات، يقول البرتقالي في نفسه. لعله يطرح الأمر في تغريدة مستقبلية، أو ربما في اجتماع مع القائد: لا يمكن أن تحصل الأكثرية المسلمة على لقاحات أكثر، أو تحقق نسب التلقيح نفسها التي يحققها المسيحيون وهُم الأقل عدداً.. أقل ليس بكثير يعني، وليس بما يناقض كل المناصفات، إلا إذا نلنا جزءاً من حصة السنّة، والدروز أيضاً، لم لا؟ كله مفيد. وليغلوا مصالحة الجبل مع المتّة، فقد آن الأوان لنثبّت بقاءنا، حرفياً هذه المرة... وإذ سرح الناشط بأفكاره وشطح، انقطعت الكهرباء وسقطت شبكة الانترنت، فعاد إلى الواقع المرير: سقى الله متى عاد جبران باسيل وزيراً للطاقة!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها