الأحد 2021/01/17

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

عن استفهام غليظ: "كيف تعيش الحجْر؟"

الأحد 2021/01/17
عن استفهام غليظ: "كيف تعيش الحجْر؟"
توثيق الكورونا كارولين وايت
increase حجم الخط decrease
في كل مرة، يطرح علي أحدهم استفهام "كيف تعيش الحجْر الصحي؟"، بمعنى كيف اتدبره، أجد في هذا الاستفهام ضربا من الغلاظة. فمع ان طارحه لا يريد منه سوى إطلاق الحديث معي، ولكنني، سرعان ما أجد انه اختار الطريق الأغلظ لذلك، اي الطريق التي تجعلني أتمهل قليلاً قبل أن أجيبه، أو بالأحرى ارد الاستفهام له. إذ إنني اجيب "عادي"، واشدّد على هذا لغاية محددة، وهي الاشارة إلى أن الاستفهام اياه لا معنى له، كما أن موضوعه مفتعل، أو انه لا يستحق طرحه. ولكن، اجابتي هذه قد تدفع طارح الاستفهام اياه إلى التباغت ثم الرد "ماذا تقصد بعادي؟"، وبهذا، يجرني إلى تفسير غير متوقع، أو قد يجد في اجابتي كسلاً أو تمنعاً عن التوسع فيها. الا أنني، وفي الحالتين، اخفق في لفت انتباهه إلى أن استفهامه غليظ.
في الواقع، ما يجعلني أجد الاستفهام على هذا الوضع هو بدايةً انه يحيلني إلى تلك النكتة التي شاعت في بداية الحجْر الصحي، وهي جملة "كان من اللازم ان يحصل هذا الحجْر لكي اعرف ماذا اسمي اسلوب عيشي". بالطبع، الإحالة إلى النكتة فيه مبالغة، والكثير منها أيضاً، غير أنني اعتقد ان في كل اسلوب عيش، أكان الخاص بي، أو بغيري، هناك مكان ما للحجْر الصحي، بما هو اختلاء وعزلة واعتماد إجراءات وقائية على انواعها، أكانت اجتماعية أو غيرها. من هنا، الاستفهام عن كيفية تدبر الحجْر الصحي يقدمه كما لو أنه امر طارئ على ذاك الأسلوب، وليس منه، كما لو ان العيش، وطوال وقته قبل هذا الامر، كان مصنوعاً من الدوران والجريان الدائم كما لو أنه كان بلا اي داخل. وفي النتيجة، وحده الحجْر الصحي قطع استمرار حركته وانفتاحه، ملخبطاً كل انتظامه عليهما. على هذا النحو، الذي يستفهم "كيف تعيش الحجْر الصحي؟" يريد إجابة من نوع "لقد تبدل كل عيشي".

في هذا السياق، قد أضع اصبعي على مكمن غلاظة الاستفهام، وهو ليس تقديم الحجْر الصحي كحدث. فهذا الحجْر ليس حدث الاحداث، ولكنه، ومع ذلك، حدث. فبعد أن كان يشكل جزءاً من أساليب العيش، صارت هذه الأساليب كناية عنه. لذا، القول إن الحجْر الصحي ليس حدثاً لا دقة فيه. ولكن، هذا لا يعني قلب الدقة إلى إفراط، اي الاعتقاد انه حدث الأحداث. بالتأكيد، الاستفهام ذاته ينطوي على هذا الاعتقاد، غير أن هذا لا يختصر غلاظته، التي تتعلق فعلياً بشيء مختلف. فماذا يريد الذي يطرح هذا الاستفهام؟ أن يسمع إجابة "لقد تبدل كل عيشي"، حسناً، وماذا أيضاً؟ أن يسمع إجابة ثانية تحتوي كيفية تدبر هذا التبدل عبر تنمية هواية ما، التركيز على العمل، اكتساب مهارة، التأمل الخ. المشكلة ليس في كل هذه الأشياء، مع ان المشكلة قد تكون، وعلى صعيد مختلف، فيها، إنما المشكلة، في هذه الجهة، ان هذه الأشياء تفضي، ومع تعدادها، الى معنى بعينه، وهو التكيف. استفهام "كيف تعيش الحجْر الصحي؟" يعادل "أخبرني كيف تتكيف؟"، ولكن، "أخبرني ذلك بطريقة تشي بأن تقدر على تكيفك"، أما، في المقابل "فانظر إليك على أساس انك بطل". هنا بالتحديد مكمن الغلاظة، وهي، اولا، تقديم عيش الحجْر بمثابة تكيف مع حدث الاحداث، وثانياً، جعل هذا التكيف، الوهمي في القسم الغالب منه، ضرباً من البطولة. فأن تتكيف، او ان تلتزم بما كانت قد عينته باربرا ستيغلر ذات مرة بالفرض النيوليبرالي، فهذا، ما يؤدي الى ان تكون بطلاً في زمنك."كيف تعيش الحجْر؟" اي "أخبرني كيف تتكيف لاقول لك انك بطل".  ولكن ما مرد الحاجة الى اعلان هذه البطولة؟

عدا عن الميل المتواصل إلى جعل اي شيء شيئاً غير عادي، هناك، وفي "أبطلة" التكيف، محاولة ترميم كل ما حطمه الكورونا من متاريس الحضارة، وفي مقدمتها الخطاب العلمي. انها فعلياً محاولة تريد نكران ان الكورونا حطم ما حطم، كما أنها تريد أن ترد على آثاره بأفعال لا علامة للبطولة فيها. ولذلك، هي ليست محاولة غليظة كاستفهامها فحسب، انما، وايضاً، فاشلة سلفاً!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها