السبت 2021/01/16

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

شاكر الأنباري.. كفعل اعتباطي

السبت 2021/01/16
شاكر الأنباري.. كفعل اعتباطي
increase حجم الخط decrease
يظن معظم العاملين في السياسة أن ما يدور في الساحة يخصهم وحدهم، بهذا نرى سهولة التصريحات التي يطلقونها في وسائل الإعلام، من دون أن يعيروا أية أهمية لانتقاء أفكارهم أو كلماتهم. فهذا يبشرنا بحرب أهلية مقبلة، وذاك يدعو إلى إعلان إحدى المحافظات دولة مستقلة، وآخر يريد أن يعلنها حرباً شعواء على دول الجوار، وثالث ورابع وعاشر، والجميع في سباق على منصة الحروب الكلامية دفاعاً عن هذه السياسة أو تلك، هذه الكتلة أو غيرها.

وهم من ذلك كله لا يدركون أنهم يشيعون خوفاً هائلاً في المجتمع، ويزرعون اللاأبالية والعدمية الاجتماعية في نفوس البشر، ويقللون من ثقة العالم بقدرة هذا البلد على إحياء ذاته. فأينما ذهب المرء في المحافظات العراقية، بمختلف تكويناتها الإثنية والمذهبية، يسمع، ويرى، القلق على المستقبل، وعلى البلد. جوقة التصريحات مثل طبول تقرع في شوارعنا، ومدارسنا، ومعاملنا، وساحاتنا، ووسط هذه المعمعة الكلامية التي تشعلها الفضائيات، والصحف، والاذاعات، عدا الاشاعات الممنهجة، والمقصودة، في المقاهي والمؤسسات والبيوت، لا يعود المواطن يفكر بأي أمل في وجود حياة الطبيعية على هذه الأرض. لا يعود يفكر في إكمال بيته أو إصلاحه وترميمه، ولا يفكر بتحسين وضعه المادي أو التفكير بتطوير قابلياته المعرفية والدراسية.

يتجاهل بعض الأحيان حتى الأخلاقيات التي تربى عليها، من استقامة ونزاهة ووطنية، وهذا أخطر النتائج. يفيق منذ بزوغ الشمس وهو يتعوذ من شرور ما هو قادم، دمه كئيب ونبضاته خائفة، يقرأ النحس من أي بادرة غير طبيعية تصادفه. أغلب الناس راحت تفكر ببيع أملاكها وسياراتها من أجل الحصول على فرصة للهجرة خارج هذا الجحيم. 

الفرد بكل تأكيد أول ما يفكر بإنقاذ حياته وحياة أسرته، أما إنه يعد العدة ليصبح جندياً في حروب إثنية، وطائفية، انقياداً لعقليات مريضة وموهومة، فلا يرد هذا في ضميره، خاصة وقد جرب هو، أو آباؤه وأقرباؤه، تلك المناكفات المدفوعة ذات الثمن الباهض، التي حصدت منا مئات الآلاف خلال أقل من ثلاثة عقود، سواء في الحروب مع دول الجوار أو الحروب الداخلية التي كادت تتوج بحرب أهلية. إن كل ما يجري أمام أبصارنا لا يطمئن، ويدل على العجز الوطني، الشامل، في حكم البلد. ليس هناك طائفة تنتصر، ولا قومية تفوز، إذا ما أوصلنا "ساسة الخيول" إلى جحيم الحروب والمعارك العنترية التي نرى مقدماتها على الشاشات.

والغريب في كل ما يتناثر أمامنا أن تلك الأصوات النشاز لا احد يعرف بمن تستقوي في اطلاق تصريحاتها، أبحزب معين أم طائفة أم قومية؟ مدينة أم عشيرة؟ والجميع يصيح بملء الفم رفضا لأية غيوم سامة تمزق النسيج الاجتماعي لبلاد الرافدين. بعض من المفكرين، والسياسيين، لم يكتف بتصريحاته النارية حول المستقبل المشؤوم، بل أخذ يقترح الحلول الفريدة لمشاكلنا المستعصية، وكان أسهلها، وأقلها كلفة كما يقال، هو تقسيم البلد بين مكوناته، الوصفة التي خطها سيد "بايدن" بمداد من ذهب، قبل بضع سنوات، وظلت متوفرة، ورخيصة، ودائمة الصلاحية كلما أرجعونا إلى عنق الزجاجة، خاصة وأن بايدن اليوم هو الرئيس.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الأنباري في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها