حجم الخط
مشاركة عبر
قبل أعوام طويلة تناهز نصف عمري ويزيد، استفتت جريدة "ليبراسيون" سينمائيي العالم وطلبت منهم الإجابة عن سؤال "بمَ تحلم؟" بأربع كلمات، أجاب برهان علوية، "أحلم بفيلم لا أعمله".
وتمضي السنون وأعمل مساعدًا له في آخر أفلامه الوثائقية، "إليك أينما تكون"، عن شخصيات هجرها النوم في ليل بيروت. بعد التصوير، انفض عن فريق عمله ودخل غرفة المونتاج. لا خبر. أربعة أشهر وبرهان أمام الشاشة ساعيًا من غير جدوى إلى وضع اللمسات الأخيرة. لم يحدثني عن صعوبة ما في تركيب الفيلم. حدثني عن صعوبة إنهاء مخرج لفيلم يوشك على فراقه في الدقائق الأخيرة من علاقة استمرت ردحًا واستنفدت بعض العمر. أن تنهي فيلمًا ليس إلا أن تكسر عهدًا ببقائه حلمًا.
أبكي برهان علوية وأتذكر الحاضرين المنسيين من رفاقه التونسيين والفلسطينيين في معهد "إنساس" البلجيكي. الأرجح أني أتذكر شيئًا من علاقتي بأفلامهم، أتذكر الكثير مني وممن أحب. فعلى الرغم من عملي في السينما، لم أرغب مرة في رؤية نفسي في صورة. فكرة أن صورنا تلاقي أثرها بعد موت صاحبها تؤلمني.
نحسب أن للصورة زُلفى الحياة لكن ما أن نلتقطها ونظهرّها ونعرضها، تأخذ الحياة أمانتها منها. نصنع الصور ليس حبًّا بالحياة وإنما كرمى للموت.
محظوظ أني عرفت برهان. رؤيته أحلى من رؤية أي صورة. إليه أينما كان، كل الحلم الأجمل من كل الصور.
(*) مدونة نشرها المخرج محمد سويد في صفحته الفايسبوكية.
(*) مدونة نشرها المخرج محمد سويد في صفحته الفايسبوكية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها