الثلاثاء 2020/09/08

آخر تحديث: 17:12 (بيروت)

منزل "لورانس العرب"... للسياحة أم حرب التاريخ؟

الثلاثاء 2020/09/08
منزل "لورانس العرب"... للسياحة أم حرب التاريخ؟
منزل لورنس في ينبع
increase حجم الخط decrease
كثيراً ما تتحول منازل المشاهير، نقاط جذب للسياح وللتأويلات السياسية والثقافية، مثل منزل رامبو في صنعاء، ومنزل المتنبي المفترض في حلب، والآن منزل ضابط الاستخبارات البريطاني، توماس إدوارد لورنس، المعروف بـ"لورنس العرب" في ينبع السعودية. إذ أثارت أنباء حول ترميمه وتحويله متحفاً لجذب السياح، جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كخطوة "اختلط فيها التاريخي بالسياسي" بحسب موقع "الجزيرة".. وتباينت ردود الأفعال على هذا القرار، إذ عبّر عدد من المغردين عن غضبهم إزاءه، وذلك لأن لورنس العرب كان ضابط استخبارات بريطانياً جاء إلى السعودية لتحقيق أهداف استعمارية. وثمة من لمح إلى أن الاهتمام بلورنس الآن يأتي في سياق "التوتر" بين السعودية وتركيا الأردوغانية....

ويعرف منزل لورنس بمنزل "الضيف البريطاني"، قبالة صف من المنازل الأثرية المطبوعة بالنمط المعماري الحجازي في حي السور في المنطقة التاريخية بينبع، ويشاع عند الاهالي وخاصة كبار السن، أن المنزل الشهير لم يسكنه أحد منذ رحيل لورنس حتى اليوم، والسبب وجود "الأرواح شريرة" في المكان. ويتكون المنزل من دورين ويتضمن غرفة نوم ومجلساً في الدور الارضي، فيما تبلغ مساحته 70 متراً مربعاً، ويطل على ثلاث جهات، الجنوبية والشمالية والغربية النافذة على البحر. وخلال العقود الأخيرة تعرض المنزل إلى اهمال كبير، اذ خلعت بوابته الخارجية وتداعت أركانه الداخلية، وسقطت أجزاء من سقفه. وبقي محطة جذب للسياح الذين يهوون التقاط الصور مع المعالم التاريخية.

وتعددت أدوار لورنس العرب، بين الجاسوس والضابط والعاشق و"الثائر" والمعتدى عليه، يتداول الناس في تلك الحقبة الزمنية سر وجوده كضيف في ينبع، ونسج البعض القصص والحكايات حول شخصيته الغامضة، التي سيطر عليها الخيال والفانتازيا... وتضاربت المعلومات بين قولهم إنه يساعد العرب في مواجهة الوجود التركي، وبين القول أنه جاسوس لبس لباس العرب وتحديداً بثوب المحاريد والعباءة والغترة والعقال المقصب وعلى خصره خنجر، واندس بين القبائل العربية في كل من مكة والمدينة المنورة، منفذاً مخططه (الغربي) بإثارة النفوس ضد الحكم العثماني بهدف الثورة عليه. وقال الباحث التاريخي صالح السيد: "كان أول وصول لورنس العرب إلى ينبع في تشرين الثاني (نوفمبر) 1916، بعد تعيينه ضابط ارتباط بين القوات البريطانية والعربية مطلع القرن الماضي، قبيل اندلاع الثورة العربية آنذاك، وكان قادماً من معسكر الشريف فيصل بن الحسين في قرية الحمراء بوادي الصفراء، وأرسل معه 14 رجلاً من جماعة الشريف عبدالكريم بن بديوي لإيصاله إلى ينبع". وأقام "لورنس" حينها في ضيافة حاكم ينبع عبدالقادر العبدو، ومكث بها أربعة أيام، وكان المنزل ملكاً لإحدى الأسر المعروفة بينبع.

وفي سيرته الذاتية التي حملت عنوان "سبعة أعمدة للحكمة"، أشار لورنس إلى أن فشل العثمانيين في الاستيلاء على ينبع في ديسمبر (كانون الأول) 1916 كان أمراً حاسماً في نجاح الحملة الشرق أوسطية برمتها. وكتب، "أعتقد أن الإمبراطورية العثمانية خسرت الحرب في تلك الليلة". 

وقال الدكتور نيل فولكنر، مؤلف كتاب "لورانس: حرب الجزيرة العربية"، إن لورانس وضباطاً بريطانيين آخرين هرعوا للدفاع عن المدينة بعدما هُزمت القبائل، بقيادة حليفه الرئيسي الأمير فيصل بن الحسين، في التلال المجاورة، وخشوا الهجوم العثماني. وأضاف: "ينبع نقطة تحول حاسمة؛ لأنه إذا استولى الأتراك على المدينة، فمن المحتمل أن الثورة العربية كانت ستنهار. لقد كان يعتمد بشكل كبير على شعور البدو بأنهم سيفوزون ويكسبون الغنائم، ولن يُقتلوا". وتابع فولكنر: "يمكننا القول إن ينبع هي نقطة الانطلاق للحملة الشهيرة في الصحراء، بما في ذلك الهجمات على السكك الحديدية، ومسيرة 600 ميل للسيطرة على العقبة".
وفي يونيو/حزيران 1917 حققت القوات العربية أول انتصار كبير لها حيث استولت على العقبة، وهي ميناء ذو أهمية استراتيجية على البحر الأحمر، واستمر النجاح حيث شقوا طريقهم تدريجياً شمالاً.

بالتأكيد كان لورنس جزءاً من لعبة الأمم التي أعادت ترسيم الحدود بين البلدان العربية المشرقية بعد انتهاء الحكم العثماني وبدء الانتداب الفرسي البريطاني، وتنفيذ وعد بلفور. هذا غيض من فيض عن شخصية محورية في تاريخ صراعات الشرق الأوسط، كتب عنها الكثير وتحولت قناعاً للأفلام والمسرحيات وكتب السير... والآن يأتي المنزل ليكون جزءاً من سيرة صاخبة، تبدأ بالثورة العربية الفاشلة ولا تنتهي بقصة الحب السري الذي ربط بين لورنس وفريدة اللبنانية. على ان العودة الى منزل لورنس العرب أشبه بعودة شاعر الى دفاتره القديمة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها