الجمعة 2020/09/25

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

رحيل جولييت غريكو.. المغنية الوجودية التي عشقها سارتر

الجمعة 2020/09/25
رحيل جولييت غريكو.. المغنية الوجودية التي عشقها سارتر
اعتقلت في زمن النازية ومنعت في زمن الدكتاتورية
increase حجم الخط decrease
فُجع الوسط الفني الفرنسي برحيل أيقونة الأغنية الفرنسية، جولييت غريكو، عن 93 عاماً. ونشر الرئيس الفرنسي إيمونيل ماكرون خبر رحيلها عبر تغريدة في "تويتر" ونعاها بكلمات مؤثرة واصفاً إياها بـ"الأنيقة والحرة"، مشدداً على أنّ صوتها ووجهها "سيرافقاننا دائماً". أما صحيفة "ليبراسيون"، فخصصت لها غلافها، تحت عنوان "أحببناك". وكتب الناشر فاروق مردم بيه "وداعاً جولييت غريكو... في اكتوبر 1966 كنتُ قد وصلتُ للتو الى باريس، وحصلتُ على فرصة لا مثيل لها لحضور حفلتها الموسيقية في مسرح TNP مع جورج براسينز. سحر، حفلة لا ينسى!". 
 
وكتب الشاعر اللبناني جوزف عيساوي: "رحلت اليوم جولييت غريكو الديفا الفرنسية التي تذكرني بصباح. غنت في مسارح العالم حتى سنها الـ88.. منحت غريكو كلمات الأغاني لأبرز الشعراء، معاني تخصها هي. وكانت حركة يديها والثوب الأسود الدائم بمثابة مسرحتها الشخصيّة للغناء. بحثت عن السعادة والمتعة في كل لحظة من عمرها، وعندما تناقص جمهورها الفرنسي لم تتوقف عن اقامة الحفلات. العمل كان يمنحها الطاقة للاستمرار. آخر أيقونات الأغنية الفرنسية".


وُلدت غريكو في 7 شباط (فبراير) 1927 في مدينة مونبلييه الجنوبية، لكن نشأتها في الغالب كانت على أيدي جدّيها بالقرب من بوردو بعد انفصال والديها. تم القبض عليها من قبل الغستابو عندما كان عمرها 16 عاماً فقط، بعد إرسال أختها الكبرى ووالدتها - العضوة في المقاومة الفرنسية - إلى معسكر اعتقال. وثبّتت تجربتها في زمن الحرب تحالفها المستمر مع اليسار السياسي. وكانت قد روت في سيرتها الذاتية كيف أنها سجنت عشرة أيام العام 1943 مع شقيقتها الكبرى بعد توقيف والدتها التي كانت في المقاومة الفرنسية. وقد أحيلت والدتها وشقيقتها إلى معسكر رافينسبروك، إلا أنهما نجتا منه. وقد جعل منها هذا الأمر امرأة حرة وملتزمة.

اتجاه غريكو الى الغناء كان مزيجاً من الثقافة والفلسفة والسياسة والتمثيل. يقول الشاعر أحمد فرحات عن غريكو أنها كانت "مثقّفة فلسفيّاً وأدبيّاً وشعريّاً، وقد نهلت من الينابيع نفسها التي نهل منها سارتر فلسفته الوجودية، أي أطروحات ديكارت وكوجيته الشهير: "أنا أفكّر، إذن أنا موجود"، وفلسفة الفينومينولوجيا لأدموند هوسرل وتلميذه الوجودي العظيم مارتن هايدغر، مع فارق أنّ جولييت غريكو اتّجهت إلى الإبداع الغنائي، بينما ذهب سارتر إلى التعبير بالكلمة والنصّ. وتقول ليونور غونزاليس، وهي كاتبة وناقدة فرنسية من أصل أرجنتيتي، وصديقة مقرّبة من غريكو: "تنافس الكثيرون، في السرّ والعلن، على الفوز بقلب جولييت، في طليعتهم سارتر، ما أثار ذلك حفيظة صديقته ورفيقة دربه سيمون دي بوفوار، لكنّ الأخيرة لم تفصح عن ذلك، بداعي الحرّية والخيار محض الوجودي الفردي الذي زرعه فيها سارتر، وبنى على أساس ذلك نهج علاقته بها". لكنّ أحداً لم يفز بقلب جولييت الجميلة الساحرة، غير زوجها، عازف البيانو والأكورديون جيرار جوانيست، وإن كانت قد حرصت هي كلّ الحرص على التقرّب الدائم من مختلف الرموز الفكرية والإبداعية والسياسية الفرنسية والعالمية، التي كانت باريس الأربعينيّات من القرن الفائت مسرح تفاعلها الجدلي والحيويّ المنتج، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية (1945)".

وبعد الحرب أصبحت غريكو من أكبر نجوم الغناء الفرنسي. وقد غنت أيضاً قصائد لروبير ديسنوس وجاك بريفير وبرتولت بريشت وبوريس فيان وفرنسواز ساغان. وبعدما غنت في مقاهٍ فنية شهيرة في باريس، رسخت شهرتها في مسرح أولمبيا، العام 1954، ومن ثم في نيويورك. وأصبحت جولييت غريكو بعد ذلك رمزاً للأغنية الفرنسية حول العالم.

وفي الولايات المتحدة، دفعها شريك حياتها، المنتج الأميركي داريل زانوك، إلى المشاركة في أفلام مثل "هيلو سادنيس" (1958) للمخرج اوتو بريمينغر المقتبس عن رواية فرنسواز ساغان، و"ذي روتس اوف هافن" لجون هيوستن (1958) و"كراك إن ذي ميرور" لريتشارد فليشر (1960). وعادت بعدها إلى باريس؛ حيث كرست وقتها مجدداً للغناء. وقد سجلت إحدى أكثر أغنياتها نجاحاً "ديزابييه موا" في العام 1968. وفي العام 1981، خلال حفلة لها في تشيلي أمام مسؤولين في نظام الديكتاتور بينوشيه، اكتفت بتأدية أغان محظورة. فاقتيدت بالقوة إلى المطار في ختام الحفلة.

وسجلت جولييت غريكو، في السنوات الأخيرة، اسطوانات مع أجيال جديدة من المؤلفين، من أمثال بنجامان بيولاي واوليفيا رويس. وبقيت علاقتها بالوجودية مسار جدل ونقاش. في العام 2010، كتب المصري أنيس منصور في "الشرق الأوسط": "عندما جاءت المطربة الفرنسية جولييت غريكو إلى القاهرة كان حدثاً مهماً خطيراً.. فهي تمثل الوجودية في الغناء. ولم أعرف كيف تمثل الفلسفة الوجودية في الغناء.. فأغانيها عادية وكذلك أداؤها.. إذن أين الوجودية؟ كنا كثيرين حولها: الشاعر صالح جودت والشاعر أحمد رامي والفنان الكبير صلاح طاهر والعالم الأثري كمال الملاح، ثم، والأهم منا جميعاً، محمد عبد النبي صاحب أوبرج الأهرام وهو صاحب الدعوة وصاحب البرنامج، ولما رأى اهتمامنا الزائد بالمطربة الفرنسية أطال بقاءها في القاهرة، وفي الإعلانات أن هناك عدداً من الشعراء يتقدمهم أحمد رامي والأديب الوجودي أنيس منصور. والحقيقة لم أعرف ما الذي يمكن عمله.. ولا ما الذي يمكن أن تقدمه للناس.. ولا ما الذي وجدناه في سلوكها يجعلها فنانة وجودية، ثم ما الفنانة الوجودية؟ لقد كانت الفلسفة الوجودية موضة.. أحد الأزياء الفلسفية في باريس عاصمة الأزياء.. وأخيراً وجدنا أنهم أطلقوا عليها هذه التسمية لأنها ترتدي فستاناً أسود ضيقاً يبرز كل مفاتنها. وبس. يعني أن الفستان الأسود هو الزي الرسمي للوجوديين في باريس!. ولما جلسنا إلى جولييت دار الكلام حولها وليس حول الفلسفة الوجودية. ونظرت إلى ملابسي فجاءت بالصدفة سوداء كلها.. الجاكت والبلوفر حول الرقبة أسودان.. وأنا لم ألف كرافتة واحدة حول عنقي مطلقاً. وإنما خوفي الدائم من البرد هو الذي جعلني أرتدي الملابس الشتوية في عز الصيف. وكانت القاهرة في عز الصيف. وسألتني جولييت غريكو سؤالاً مضحكاً، فقالت: الوجوديون هنا عاملين إيه؟ وعاملين معاهم إيه؟".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها