الإثنين 2020/09/21

آخر تحديث: 13:08 (بيروت)

بعد "ربع الساعة الأخير"

الإثنين 2020/09/21
بعد "ربع الساعة الأخير"
أديب وعون في بعبدا (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
خلال الحديث حالياً عن تشكيل الحكومة اللبنانية، يذيع استخدام عبارة بعينها، وهي عبارة "ربع الساعة الأخير"، بحيث أن هذه الحكومة ستجد طريقها الى التأليف خلاله. فـ"ربع الساعة الأخير" هو وقت حل مشكلة كانت، وإلى حينه، متعذرة الحل، أو أنه وقت الإقدام على فعل كان، وإلى حينه، متعذر التحقيق. على هذا النحو، ثمة استفهام يطرح نفسه حيال ذلك "الربع": لماذا يحين كوقت للحل والفعل؟ لماذا يتسم بكونه وقتاً للعمل بعد أن يسبقه وقت يكون معاكساً له؟

فعلياً، وقبل محاولة الإجابة، لا بد من الإشارة الى أن "ربع الساعة الأخير" لا يحضر في وضع تشكيل الحكومة فقط، بل إنه عابر للأوضاع في المعاش اليومي. هذه الأوضاع يمكن تلخيصها في تأخير شيء ما، فرض مدرسي، اتصال هاتفي، ارسال ايميل... حتى "ربع الساعة الأخير" من أجل إتمامه. فـ"ربع الساعة الأخير" هذا يدفع الى إتمام عمل مؤخر، ومردّ ذلك، أنه موعد انتهاء مهلة ما، فعندما يحين، فهذا يعني أن نهايتها قد اقتربت. في نتيجة هذه النهاية، يتحول "ربع الساعة الأخير" الى كونه الوقت الذي تشتغل سلطتها خلاله، وبهذا، تترك أثرها في الذي كان يعمد الى تأخير العمل، إذ انها تنقله الى إتمامه. فهو، لا يتحول من مؤجل الى متمم الا تحت وطأة تلك السلطة، التي تذكره بوجوب أن يلتزم بموعد استحقاق عمله، ألا يتعداه واياها.

على أن سلطة النهاية، بما هي "ربع الساعة الأخير"، لا تشتغل في وجدان المؤخر لأنها تذكره بالوجوب ذاك فحسب، بل أنها تحيله إلى ما يشبه موته أيضاً. وموته هنا يرتبط بانقضاء "الساعة" بكاملها، إذ أن "ربعها الأخير"، وعندما يحين، يكون آخر فرصة له للسكن فيها قبل تلاشيها. السكن في "الساعة" يرادف الذهاب منها الى أخرى، أي أنه يرادف الانخراط في الزمن الكرونولوجي، في دورته على العموم، وهذا السكن يبلغ تمامه عبر تحقيق ما هو مقترن بتلك "الساعة"، ما هو مخطط لإتمام فيها، فبعد اتمامه، يتيح الذهاب الى "ساعة" أخرى. بالطبع، المقترن بـ"الساعة" قد يكون مهمة شاقة مثلما قد يكون الترويح عن النفس، لكن في المقلبين، وبإتمامه، يصير الذهاب من "ساعة" إلى غيرها متاحاً، فيبقى الزمن على جريانه.

بيد أن تلاشي "الساعة" يساوي انها تنقضي من دون أن تنقل الساكن فيها الى "ساعة" أخرى، بل أنه يتجمد قبلها، بحيث أنها تفوته. بالتالي، ينتقل من السكن فيها الى البقاء في فواتها، وبالبقاء هذا يصير العيش في الزمن، لحاقاً بجريانه من دون الانخراط فيه، ما يؤدي الى الخضوع له، إلى عبادته، بالتوازي مع الشعور المستمر بانعدام القدرة أمامه. الماضوية على اختلافها مسعى الى الإمساك بجريانه من  جهة سابقه، مسعى لوضع حد لذلك الشعور بالتغلب عليه على متن هذا السابق. فعلياً، الذي يقدم على إتمام عمل ما في "ربع الساعة الأخير"، لا يريد كل ذلك الفوات، اذ أن نهاية "الساعة"، سلطتها، تهدده به، وبهذا، يخاف منه، اذ يصعب عليه أن يجد نفسه فيه، أو أن يجد أن الزمن يجري من دونه.

لكن هذه ليست حالة النظام في لبنان، الذي لا يهتم بسلطة النهاية تلك، ولا بـ"ربع الساعة الأخير"، ولا بالانخراط في الجريان من "ساعة" إلى "ساعة". النظام هذا يتجاوز ذلك كله، وهنا ضرب من راهنيته.. مثلما يتجاوز المبالاة بالعيش في فوات الزمن، وبالتغلب على ذلك الشعور أمامه. فيبدو أنه متواصل من بعد انقضاء "الساعة"، ومن بعد انتهاء سلطة "ربع الساعة الأخير". أي إنه، وبعبارة واحدة، نظام العيش بعد النهاية. ولهذا بالتحديد، مقولة "نهاية لبنان"، أو التحذير من "نهاية الكيان"، هي مقولة غير دقيقة أو بطيئة، فكل هذه النهايات متحققة سلفاً، وها هو البلد متوجه إلى العيش من بعدها.... يا لها من "معجزة لبنانية" جديدة!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها