الجمعة 2020/09/18

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

قصائد لوي آدران الوقتية

الجمعة 2020/09/18
قصائد لوي آدران الوقتية
"ألغاز الأفق" (ريني ماغريت)
increase حجم الخط decrease
ثمة فخ منصوب في المجموعة الشعرية الأولى للوي آدران (مواليد بيروت 1984، مقيم في بلجيكا)، وهو فخ الانتباه الى المكان فيها، بمعنى الاعتقاد أن قصائدها تتمحور حول الأمكنة التي تدور داخلها. فهي إما تقيم بها، فتصفها، أو أنها تعبرها، فتلتقط تفصيلاً من تفاصيلها بسرعة.

بتلافي هذا الفخ، وعند القفز من فوقه، من الممكن قراءة تلك المجموعة بطريقة أخرى، تفيد بالوقوف على وقتها، أي وطأته، التي لا تترك أثرها في الأمكنة فحسب، بل أنها، وبظن لا ينفي المبالغة فيه بالطبع، تترك أثرها على مجرى القصائد بحد ذاته. فتكون بمثابة منطلقها، بالإضافة إلى كونها جوها (الجو بما هو باطن وبما هو فضاء تحديداً)، بالتالي، تجعل من هذه القصائد قصائد وقتية بامتياز.

على هذا النحو، لا بد، وعند قراءة المجموعة بالاستناد الى الوقت فيها، من تمييز شكلين له على الأقل.
الشكل الأول هو الآنية، أو الإنية، التي من الممكن تعريفها، وباختصار وتصرف عن مذهب منصرم يدعى الوجودية، أنها وقت للحضور في "الآن" باعتباره فتاح الـ"هنا". فالآنية تحضر في عبارة من قبيل "إنها الساعة الخامسة مساءً، يا لها من ساعة رهيبة" بحسب جيل دولوز.

فالآنية هي وقت يحدث فيه الانفعال، أكان جيداً أو سيئاً، فإما يخفف القدرة أو يطلق درجة منها. هذه الآنية تعبر قصائد آدران، بحيث تستقر عليها: ساعة المغيب، ودقيقة الدفن، لحظة التساقط... كل هذه الآنيات توجه القصائد، أو تحدد القصد منها، من كل تراكيب جُملها، لتكون ضرباً من الضلال، الذي تصل اليه، لا كمعنى، إنما كحالة.

على أن الشكل الثاني للوقت هو كونه مدة، اي أنه منزوع النهاية، اما، بدايته، فيصعب التكهن بها. فقصائد آدران تنطوي على هذه المدة، التي، وإن عطفت على ذلك الضلال، فتكون مدته، إذ يستوي على صفتها: متواصل، ولا خاتمة له. وفي الغالب منها، تبدو القصائد مكتوبة، لا لإيقاف هذه المدة، بل كمحاولة للتأقلم معها، وفي النتيجة، هي مسجلة في قلبها. فثمة لهذه المدة وقع واضح على تركيب الجُمل، الذي يصير كناية عن رمي للكلمات، جمع لها، وضعها إلى جانب بعضها البعض، لتجر نفسها بنفسها. وهذا، لا يعني ان الجمل التي تفضي إليها بطيئة، على العكس، هي على عجلة، اي على عجلة إيجاد طريقها إلى كتابتها. فهذه الكتابة، وبحد ذاتها، هي التي تعين على تحمل تلك المدة، والضلال خلالها.

فعلياً، وفي السياق ذاته، سياق  توقيت قصائد آدران، قد تصح الإشارة إلى أنها مكتوبة بفعل الماضي، وهذا، لا يجعلها نوستالجية، ولكن، يجعلها على صلة به، مفادها النظر اليه كمصدر للوحشة. بالتالي، القصائد تنطوي على "اكزورسيسم" حياله، بما هو ليل معتم، لكنها، وفي بعض احيانها، تتغير، وفي خلاصتها، إلى ما يشبه النحيب، الذي يفيد بكون طرده شديد. يكتب أدران، ومن هذا الماضي، ضده، لجعله على بعد منه، وفي هذه الاثناء، يحتفظ باشياء من عناصره، لا سيما الطبيعية، وفي مقدمتها النبات، كالقصعين، والمر، والمرقدوش، لتي تتطبع بالوقت، أو بالفصول أيضاً.

بعد ذلك، تبقى ملاحظة أخيرة على وقتية قصائد لوي آدران، وهي تتعلق بالمكان الذي تنتجه. هذا المكان، وبعد التجوال بينها، بين اسطبلاتها وحقولها وبحيراتها وحجرها، ليس سوى الركام، الذي خلفته الحرب، أو الذي تخلفه. فعلى هذا الركام، ليست الشعرية شعرية البكاء بفعله، ولا الشعرية هي شعرية تجميله، هي شعرية الحضور في آنيات فوقه كما أنها شعرية الحضور خلال مدة الضلال فيه. هي شعرية تحدد المنفذ منه، تجرب ذلك، وهل تحرز بغيتها أم لا؟ على الاغلب قد تفعل ذلك لاحقاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها