الأحد 2020/08/09

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

المدينة التي جمعت الروح

الأحد 2020/08/09
المدينة التي جمعت الروح
نوستالجيا مرفأ بيروت
increase حجم الخط decrease
 
في السبعين سنة الأخيرة لا أعتقد أن مثقفاً عربياً، أو فناناً مغامراً، أو طالبا للمتعة والجمال، لم يستقر فترة من الزمن في بيروت، أو يمر بها سائحا أو زائرا. بيروت الجبل، والسهل المعانق للسماء، والبحر المفتوح على الجهات كلها. بيروت علمتنا الكثير في الشعر، والرواية، واللغة، والفنون، والتنوع، مسارحها، حاناتها، أزياؤها، بحرها الممتد، صحافتها التي ظلت عشرات السنين تقف على المرتفع وتنحت لها أسلوبها الخاص في الكتابة، والتمرد، والبحث عن الجديد. جبران خليل جبران، أنسي الحاح، شوقي بو شقرا، سعيد عقل، ثم إلى آخر القائمة. أغانيها تتردد في الآذان على امتداد الذائقة العربية، طوال سبعين سنة، فمن فيروز العالية، إلى أختها هدى حداد، ووديع الصافي، وصباح، ونصري شمس الدين، ثم إلى آخر القائمة.


في كل مثقف عربي شيء من بيروت، كتب عنها وكتبت عنه، حلم بها وحلمت به، وهي المدينة الأولى في العالم العربي التي جمعت الروح الشرقية بالإيقاع الغربي. وهي أيضا مطابعها التي تضخ إبداعات الكتاب العرب شرقاً وغرباً. وما حدث لها كارثة، ودسيسة، تسعى لمحو روحها واجتثاثها قبل كل شيء. لا الميناء والشوارع والأبنية والبشر فقط. الضربة استهدفت روحها، وتمردها، وخصوصيتها، ومهما حاول الغادرون فلن تكون هناك جهة تنجح في وضع عمامة، وبأي شكل جاءت، على رأسها.

ظلت بيروت، وعلى امتداد آلاف السنين، منذ الكنعانيين والفينيقيين والإغريق والرومان والعرب، جوهرة البحر الأبيض المتوسط بلا منازع. ولأنهم لم ينجحوا بوضع تلك العمامة على رأسها قرروا تفجيرها، وبهذه الطريقة اللئيمة، والخسيسة، وعلى مرأى من العالم وعيونه الذاهلة. على امتداد التاريخ غابت بيروت عن الوعي مرات كثيرة، لكنها تستيقظ كل مرة لتستعيد تاريخها، وكبرياءها، وأصالتها، وكأنها طائر الفينيق ينهض من رماده.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الانباري في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها