الأحد 2020/08/23

آخر تحديث: 08:45 (بيروت)

من وحي الانفجار

الأحد 2020/08/23
من وحي الانفجار
المرفأ
increase حجم الخط decrease
 
"اعتبر كيف يحترم الناس البغل مع أنه لا يجيد إلا اللبيط."سعيد تقي الدين. 

من وحي الانفجار الذي دمّر المرفأ (نعم، تقال بهذه البساطة) وقتل المئات وشوّه الآلاف وشرّدهم وخرّب بيوتهم، لكنه في المقابل لم يهزّ شعرة واحدة من بقايا شعر الرّئيس الحرّيف في صناعة الفتن والخدع والحروب الخاسرة، كما أنه لم يهزّ شعرة واحدة (بغضّ النّظر عن لونها) من رأس الرّئيس الصّبيغ (من صبغ يصبغ فهو صبّيغ) الذي رفع دعوى على جامعة وظّفته ذات ليلة حالكة (غير مصبوغة) ولعلها ندمت ندما شديداً– ليطالب بأجور مستقبلية على عملٍ لم ينجزه وبالدولار الأميركي وإلى حسابٍ خارجي، لأنه لا يؤمن ببلدٍ أخطأ في وضعه على رأس حكومة لفترةٍ غصّت، (لا بل اختنقت) بإنجازات لم يرها غيره من إنسٍ أو جنّ (ولعله سيهديها إلى الوالدة في كتابٍ قادم حتماً)... 

ولم يهزّ (الانفجار ذاته) أو يوقف أو يعرقل إسهال التصريحات من الصّهر الغبي والوقح والمرذول على كل صعيد، الناصح المفوّه لاقتصاداتٍ غربية عريقة في كيفية العمل من دون موازنة، والناضح سمّاً عنصرياً وذكورياً كريهاً يبزّ عفن الزّبالة المتكومة في عهد تسلّطه وتحكّمه في الوزارات التي نالها بكفاءة خاصة لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح حولها عنزان. 
من وحي هذه الأمور وغيرها، أود التحدّث عن البغاء. 

ثمة قول معروف، لا أعلم مصدره، يفيد أن البغاء أقدم مهنة في التاريخ. ولعل ذلك يعود إلى تحكّم الرجال بصيد الفرائس فيما اهتمت النساء بالإنجاب والرضاعة والعناية بالأطفال. ولعل هذا التحكّم بالغذاء أتاح للرجل إمكانية المساومة على خدماتٍ جنسية من النساء (بداية الوضاعة والاستغلال). 

لا بغاء من دون صيد ومن دون رغبة صعبة المنال، إذ بماذا سيقايض رجل الكهف النساء في زمنه إن لم يكن يحمل غزالاً أو أرنباً أو سمكة؟ (يحمل الرجل اليوم نيابة أو وزارة أو مصرفاً ويقايض شعباً بأكمله من دون تمييز جندري). 

وإذا صح أن البغاء أقدم مهنة في التاريخ، فمهنة القوّاد رافقتها كظلٍّ لصيق (كلزقة الأسد) منذ القدم. إذ لا بغاء من دون قوّاد يراود الضحية عن نفسها، لنفسه أو لآخرين يخدمهم برمش العين ويتباهى بصلة الرحم بهم (وهذه حمّالة أوجه). 

ومن القوّادين من يبقى في الأزقّة والمواخير القميئة ويصطاد الضعيفات الجائعات، ومنهم من يترقّى ويترفّع ويلبس الكرافات ويحاضر في العفة، ويصطاد البلاد والعباد ليحولها إلى مواخير حديثة ومتحضّرة وتتحدّث لغات. 

فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، يخرس السياسيون ويختبئون كالجرذان والصراصير في بيوتهم المسروقة من تعب الناس ويتركون المتطوعين الشرفاء والأجانب (من ضحايا سفالة عنصريّتهم) لتولي الإنقاذ والإسعاف والبحث بين الأنقاض عن روح تنبض وأنفاسٍ تختنق. 
فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، تختفي الضّمائر وتبتلع الألسنة ولا يستقيل قارض وحيد من هذه القوارض التي تسمّن زعرانها وتعلف شبّيحتهامن تعبنا وشقائنا. 

فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، تطلق السلطة المجرمة الرّصاص الحي والمطّاط (لإطفاء العيون) على ضحايا الانفجار عندما يتظاهرون احتجاجاً، بدل احتضانهم ومساعدتهم واحتواء غضبهم. 
فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، يهرّب السياسيون أموالهم إلى الخارج وتحتجز المصارف دراهم الناس القليلة المطلوبة للدواء والغذاء والأقساط، فيما الحكام يأكلون ويشربون ويستفرغون الكلام الذي لا يصلح إلا لملء المجارير. 

فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، جرى ترويض الناس وكيّ وعيهم بالطائفية البغيضة وبكراهية الآخرين وبالشعور بتفوّقٍ عنصريٍ ممقوت ليتقبّلوا عربدة أمراء الحروب ورأس المال وليرموا بأنفسهم فداءً لهذه الصرماية أو تلك.  

فقط في بلدٍ يحكمه قوّادون، يُمحى مرفأ، وتُهدم أحياء كاملة، ويُقتل المئات، ويتوالى قتل المتظاهرين ممن لم يقتلهم الانفجار، ويواصل الحكّام النعيق كالغربان في خواء الدمار الذي احترفوا صناعته وتدويره عن سابق نهبٍ وتصميم. لكن عيون القتلة والسفلة سوف تطفأ ولو بعد حين. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها