السبت 2020/07/25

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

أصحاب الغاليريهات يبوحون ل"المدن": كيف تباع اللوحات ويُقبض ثمنها؟

السبت 2020/07/25
increase حجم الخط decrease
منذ بداية الأزمة الإقتصادية، يعانى سوق الفن التشكيلي في لبنان، من انكماش حاد أدى إلى تجميد عمل عدد من المؤسسات الفنية وتهديد أخرى بالاقفال. لذلك، اليوم لا يتعدى طموح الجزء الأكبر من الغاليريهات، الاستمرار في العمل من أجل دفع الإيجارات ومعاشات الموظفين، من دون التفكير بتحقيق الأرباح. 
من دون شك، ليست تأثيرات الأزمة الإقتصادية متساوية على الجميع، فهناك جزء يستمر بالبيع ولو بزخم أقل، بفضل تعامله مع فنانين مكرسين (جيل الستينات والسبعينات مثل شفيق عبود، إيتيل عدنان، هاغيت كالاند، سلوى روضة شقير، وبعض الأسماء من الجيل الأصغر مثل أيمن وأسامة بعلبكي، تغريد درغوث، وغيرهم)، وبفضل امتلاكه إرثاً طويلاً في المجال الفني، يستطيع استثماره اليوم. بينما هناك غاليريهات، تأثرت أكثر من غيرها، مثل الغاليريهات التي تبيع لفنانين موجودين خارج لبنان، وتركز على الفنانين الصاعدين. 
وفق أنطوان حداد مؤسس غاليري "آرت لاب": "تعتبر أعمال الفنانين الصاعدين أقل جاذبية في الأزمات لأن الناس يستثمرون نقودهم في المكان الذي يستطيعون أن يستردوه، أي في أعمال الفنانين المعروفين التي تحتفظ بسعرها". عرف "أرت لاب" منذ تأسيسه بمعارضه المختلفة عن السائد، وتركيزه على مواضيع القضايا الجنسية والمثلية وحرية التعبير، وهو توجه كان يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية في الحالات الطبيعية، لكنه انقلب عكسيا منذ بداية الأزمة التي أجبرت الغاليري على إيقاف معارضه والانتقال من صالته في الجميزة إلى اخرى، أقل تكلفة (في الجوار). 
تزيد التقلبات الحاصلة في سعر الصرف والصعوبات في التعامل مع المصارف، من المشاكل التي يواجهها الغاليري: "أصبحنا عاجزين عن تصفية الحسابات أو إتمام عمليات البيع. لا نستطيع وضع أسعار بالاعتماد على سعر الصرف الحالي لأنه غير منطقي، لكن من ناحية أخرى لا يمكننا الإعتماد على السعر الذي يضعه المصرف المركزي أو المصارف الأخرى. هناك فنانون نتعامل معهم من خارج لبنان، يريدون استلام أسعار لوحاتهم بالدولار، وغالبية الزبائن في لبنان يعجزون عن الدفع بالدولار. لذلك، وجدنا أنفسنا في موقف نفضّل فيه تجميد أعمالنا في لبنان على البيع والشراء في هذه الظروف". 
كيف تتم عمليات البيع؟
تعمل الغاليريهات بشكل عام ضمن نظام متشابه، حيث يضع الفنان اللوحة عند الغاليري، وفي حال بيعها يدفع له الأخير المبلغ بعد أن يخصم نسبة منه. الإختلاف بين الغاليريهات هو في النسبة التي يأخذها كل واحد من الفنان، ففي حالة "آرت لاب" مثلا النسبة هي 40% أما في حالة غاليري "رميل" هي 25%...
تختلف اليوم الطريقة التي يدفع بها الزبائن سعر اللوحة من غاليري إلى آخر. في حالة غاليري "رميل" مثلاً، الذي ينظم معرضاً جديداً كل شهر تقريبا ويسعّر لوحاته بالدولار، يمكن أن يتم البيع وفق نيلسي مسعود، إما عبر تحويل مصرفي بين الزبون والفنان، على أن يدفع الأخير لاحقا نسبة 25% للغاليري على سعر 3500 ليرة. أما في حال قرر الزبون الدفع بالليرة: "الغاليري لا يزال يتعامل بسعر الصرف 3500 ليرة بما يخص نسبته من الأرباح، لكن من حق الفنان ان يحصل على حصته بسعر الصرف الحقيقي، لأنه يدفع سعر المعدات والألوان والكانفاس بالدولار".
وفق مسعود، الأسعار التي تضعها المؤسسة ثابتة، لكن طريقة الدفع يتم التفاوض حولها بين الزبون والفنان: "الموضوع صعب جداً. في المعرض الماضي الذي بعنا جميع أعماله، انهارت أعصابي لأني وجدت نفسي يوميا أمام معادلة غير محلولة وتكسير رأس من أجل إرضاء جميع الأطراف".
وهناك نسبة قليلة من الزبائن، تدفع Fresh Money، وهو ما حصل مع ثلاثة اعمال من معرض غاليري رميل الحالي (محمد المفتي): "لا يزال هناك من يحترم حقيقة أن الفنان يخفض اسعاره، فيرسل النقود إما Fresh Money  أو إلى حساب في الخارج. لكن هناك ايضا من يريد الدفع بطريقة لا تضمن حق الفنان - مثلا عبر تشيك مصرفي نعرف جميعا أن قيمته الحقيقية أقل بكثير من قيمته على الورق - رغم ان الشاري يكون في حالات كثيرة ميسور الحال، ويرسل القطعة الفنية إلى الخارج عبر طائرة خاصة أو يخت خاص! لكن المشكلة الحقيقية ليست عند هؤلاء، الذين يرغب البعض منهم ربما بالمساعدة وتشجيع الفن اللبناني، بل بالسيستم بأكمله الذي يسرق الناس ويمنع الفنان من استلام المبلغ بقيمته الحقيقية". 
بعض الحلول المؤقتة
لحل مشاكل الدفع المشابهة، يلجأ بعض التجار اليوم لكتابة لوائح تحدد سعر اللوحة بحسب طريقة الدفع (بالدولار، باللبناني، تشيك مصرفي، أو فريش ماني ...)، وهكذا يصبح لكل لوحة عدة اسعار. في العادة، سعر اللوحة بتشيك مصرفي يصبح أكثر بثلاثة مرات من السعر الحقيقي، أما طريقة تصريف التشيك فتحصل عبر وسيط يعطي بدلا عنه، مبلغا تصل قيمته إلى 40% من قيمة التشيك الأصلية (يذكر هنا، أن بعض الغاليريهات تعطي خيارا للزبائن بدفع نصف قيمة اللوحة عبر تشيك مصرفي والنصف الآخر عبر تحويل للخارج او Fresh Money).
وفق صالح بركات، مؤسس صالتي "أجيال" و"صالح بركات"، وهو من اقدم الفاعلين في المجال، القاعدة في عملية البيع أنه لا يوجد قاعدة، وما يمكن أخذه بالحسبان هو فقط بعض العوامل العامة والأسئلة مثل لمن تبيع؟ وماذا تبيع؟ بالإضافة للمنطق العام Common sense الذي تأخذه بالحسبان ايضا: "ففي حال كان سعر اللوحة ألف دولار، وقبضت المبلغ بتشيك مصرفي، تكون خسرت 75% من القيمة الحقيقية، لذلك المنطقي ان لا تبيع من خلال تشيك، خاصة عندما يطلب منك المصرف تجميد المبلغ لستة اشهر أو سنة. أما في حال اراد الزبون الدفع باللبناني، فتحاول البحث عن سعر متوسط بين سعر الصرف الحقيقي وسعر الصرف على الورق، لكن تجربتي الخاصة بالبيع باللبناني كانت خاسرة، خاصة أن سعر الصرف يمكن ان يتبدل بشكل كبير في اي وقت". 
يتركز سوق صالح بركات داخل لبنان، لكنه يتوجه لزيادة عدد المعارض التي يقيمها في الخارج، من دون أن يفكر في مغادرة لبنان كليا: "منذ البداية، إنطوى عملي في لبنان على مخاطرة كبيرة، وهي من سمات البلد الذي نعيش فيه. الخيارات المتاحة اليوم هي إما الخروج والإقفال، او البقاء والصمود، وأنا اخترت الخيار الثاني. في السنوات العشر الماضية مرت ظروف جيدة علينا، واستطاع البعض تحقيق ارباح جيدة، اما اليوم فالظروف سيئة، وعلينا الصمود، والمحافظة على الإستمرارية ومعاشات الموظفين، من دون التفكير في تحقيق الأرباح لأنه ليس خيارا أبدا". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها