السبت 2020/07/11

آخر تحديث: 12:48 (بيروت)

أسلحة بول روشيه التي لا تقتل

السبت 2020/07/11
أسلحة بول روشيه التي لا تقتل
الأسلحة ليس أدوات قائمة بذاتها
increase حجم الخط decrease
أخذ بول روشيه على عاتقه أن يتناول "الأسلحة غير القاتلة" في كتابه الصادر مؤخراً عن "لافابريك" (باريس) تحت عنوان "إغازة، بتر، إخضاع". ومنطلق تناوله لها هو الحادث الذي يتكرر في كل مظاهرة تعترضها القوة البوليسية، أكان في فرنسا، أو في الولايات المتحدة الأميركية، أو في لبنان، أو في تشيلي، أي وقوع قتلى أو جرحى في إثر الغاز المسيل للدموع أو الرصاصات المطاطية. فعلى أساس هذا الحادث، وتكراره، يطرح روشيه استفهامه العام، وهو: هل هذه الأسلحة فعلاً غير قاتلة؟ ولكي يحيط بهذا الاستفهام، فهو يستند الى كل جوانبه، قبل أن يربطها بحال النظام الراهن في العالم، الذي يسميه نيوليبرالياً، خالصاً إلى كون تلك الأسلحة تشكل عنواناً لتلاشي الديموقراطية، وبهذا، تحض على الدفاع الذاتي الشعبي.

يشير روشيه إلى الدعاية التي ترافق استخدام الأسلحة تلك، وهي دعاية يصفها بأنها محض تقنو-تفاؤلية، مفادها: أن الأسلحة إياها لا تقتل لأنها تقنياً مصنوعة لتكون "سلمية"، يعني "دفاعية". فالشرطة لا تستعملها سوى لكي تواجه الاعتداء عليها، أو ما يُعلم بهذا الاعتداء، وهي، في الغالب من الأحيان، تستعملها لكي تفرق الجموع، وتُبعد بين أفرادها. على هذا النحو، تستقر تلك الأسلحة على معنيين: الأول، أنها أسلحة احتمائية، الشرطة تحمي نفسها بواسطتها، والثاني، أنها ترتبط بكونها لا تعنّف، إنما هي توقف العنف. بهذه الطريقة، تبدو الجموع في موقع المهاجم أو المعتدي دوماً، كما أن الشرطة تتحول الى مؤسسة لاقمعية، بل إنها، وفي حسبان الدعاية ذاتها، ترتكز على أسلحتها لتعيد استخلاص الأفراد من الجموع. تفرقهم ليعودوا أفراداً منفصلين، أي كما هم الأفراد في العادة.

يجد روشيه أن هذه الدعاية، عدا عن كونها لا تضاهي الواقع المؤلف من حوادث القتل المتكررة، إلا أنها لا تواصل إستواءها أمام ما يسميه "نظرية السلاح". فالأسلحة ليس أدوات قائمة بذاتها لا علاقة لها بمستخدمها، إنما هي تقيد حركته أيضاً. ففي إثرها، يصير مجرد محقق لبغيتها. من هنا، تظهر الشرطة، وحين تستعمل الأسلحة غير القاتلة، كأنها تتعرض لتقييدها، وبهذا، تحاول فك هذا التقييد من خلال شقلبتها الى أسلحة قاتلة. في هذه الجهة، يشدد روشيه على كون تلك الأسلحة، ومع أنها استخدمت على أساس "أخلقة" العنف الدولتي، على جعله غير "مفرط"، لكنها أدت إلى جعل هذا العنف قاسياً أكثر فأكثر.

فقد أعطيت لمؤسسة العنف، التي سرعان ما أعادت صناعتها كأسلحةٍ، لا تقتل فقط، بل، وكلما قتلت، يبدو أن فعلها هذا هو مجرد "خطأ" غير مقصود من قبلها. إذ أنه غالباً "عمل فردي". فلا الأسلحة، بحسب هذا التبرير، هي مُعدّة للقتل، ولا مؤسسته بعد "أخلقتها" هي مؤسسة قمع. في النتيجة، الأسلحة غير القاتلة هي أسلحة "تفرد" القمع، وتبعده كتهمة تطاول البوليس كمؤسسة كاملة.

هذا ما يربطه روشيه بالحكم النيوليبرالي، إذ أنه من ناحية يؤدي الى محو العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يهدده بالتظاهرات المستمرة. ومن ناحية أخرى، يحاول ألا يرتكز الى العنف المباشر كي لا يؤدي ذلك الى إطاحته. على هذا المنوال، يرتكز الى الأسلحة غير القاتلة، التي تشرعن عنفه، وفي الوقت نفسه، تحميه. المفارقة، يقول روشيه إن الاعتراض على ذلك الحكم قد اتسم، ومنذ عقود، باللاعنفية، إلا أن هذا لم يحمل الحكم سوى الى الرد عليه بالمزيد من العنف. الأمر الذي يحيل الى حالة دولته، بحيث أن استبدادها قد تضاعف فعلياً، وهذا، لأنها تقهقرت الى لحظة كونها جهازاً يحتكر العنف ليحمي طبقته وثروتها ونظامها.

في هذا السياق، يعتقد روشيه أن استخدام الأسلحة غير القاتلة من قبل هذه الدولة قد حض-وهنا مفارقة أخرى ربما- المعترضين عليها الى التحصن والوقاية منها بهدف التظاهر ضدها. بالتالي، صار لا بد لهم من الدفاع الذاتي من أجل مقاومتها. لكن هذا الدفاع لا يقوم فقط بوسائل التحصن والوقاية، انما بإيضاح تاريخ الدولة، وأصلها أيضاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها