السبت 2020/06/06

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

أسامة العيسة: الكاتب الخائن... هواجس حزيران 67

السبت 2020/06/06
أسامة العيسة: الكاتب الخائن... هواجس حزيران 67
increase حجم الخط decrease
كتبتُ كثيرًا عن حزيران السابع والستين، وروايتي جسر على نهر الأردن، هي عن تلك الحرب التي لم تكن حربًا، وليست الرواية الوحيدة. تظهر واقعة حزيران في معظم أعمالي. تساءل همنغواي، كيف يمكن له أو لأي كاتب أن يكتب رواية عن الحرب، بعد ما كتبه تولستوي في الحرب والسلام؟ لكنّه في النهاية، أبدع: وداعًا للسلاح، بعد أكثر من عقد على الحرب الكونية الأولى التي شارك فيها، ولاحقًا: لمن تُقرع الأجراس؟

أمَّا أنا، مع حفظ القامات الأدبية، فلم أكن مضطرًا لتنتابني هواجس همنغواي، لأنَّ حزيران السابع والستين، لم تكن حربًا، ببساطة كانت خيانة. يبدو أنّه من السهل الكتابة عن الخيانات، لسهولة اقترافها. أمّا الحروب، فإن بدت سهلة الشرار، فإنها صعبة الإطفاء، وتترك ندوبًا، إن محيت فوق الجلد، فلأنها اختفت تحته.

سألني طالب أو طالبة في جامعة القدس، خلال مناقشة الرواية، لماذا كنت متساهلاً، أو متعاطفًا، أو متفهمًا، لسلوك القادة العرب في تلك الحرب، التي لم تكن حربًا؟
بالطبع ليست مهمة الروائي، الاتهام، وعدم التساهل، وعدم التفهم. هذه مصطلحات ليست من قاموس الروائي. المهم أن يذهب مستعدًا إلى روايته.

قرأت ما كتبه الملك حسين، عن نفسه وعن تلك الهزيمة، وما أملاه على صحافيين وكتّاب ومؤرخين، وما كُتب عنه، وقرأت ما كتبه الأستاذ هيكل عن عبد الناصر وحروبه، وما كتبه آخرون عن زعيم القومية العربية، وما كتبه إسرائيليون، وعالميون عن الحرب، التي لم تكن حربًا. استعرضت أرشيف الصحف، واليوميات، واستمعت لروايات شفهية، وزرت مواقع، ونزلت إلى خنادق عسكرية، وسرت بمحاذاة حقول ألغام، والتقطت مئات الصور.

لم يُصدم الملك حسين بالهزيمة، واستشعرها، بل كان يعلم بها، وبحدودها، حتى قبل وقوعها بسنوات، والشواهد في الأرض المحتلة كثيرة، ولم يكن تهميش القدس، لصالح عمّان، سوى قمة جبل الجليد. لم يكن مقتنعًا بالحرب، ولا بالاستعداد لها، وكان يعلم بأنَّ جيشه لن يكون مستعدًا لأية مواجهة، إلَّا بعد عامين.

لم أفكر بجعل الملك يخرج مسدسه وينتحر، وهو يرى طائراته تُقتل في مرابضها، حرمته من موتٍ بطولي. أمّا عبد الناصر، فمنطق الرواية، يودي به إلى محاكمة رسمية أو شعبية في ميدان التحرير، أو أن يقضي اغتيالاً في انقلاب، فكما جاء بانقلاب، يغادر الساحة بمشهد دراماتيكي. لكن الواقع العربي يختلف عن منطق الروايات، فالنَّاس خرجت للتمسك بقائدٍ مهزوم. هل نحب فعلاً القادة المهزومين؟ وأمسكت بثوب أُمي، التي كانت تنوح، في حلقة جماعية، أمام المخيم، على فقد القائد المهزوم. لم يغيّر من الأمر شيئًا، عندما فسرت الأمر، بعد سنوات طويلة، عندما استفسرتها، بمنطق استعادي، أنَّ النساءَ كن فعلاً ينوحن راقصات، كالدجاج المذبوح، على شهداء أيلول الأسود.

ما دام الحديث عن الخيانات، فإنني خنت الرواية. لم أشأ المغامرة، مع قارئ يعرف نهايات شخوص الرواية الواقعيين. هل استهنت بقارئي؟ كيف سيكون رد فعله وهو يقرأ في الرواية، النهاية الدموية لقائد مهزوم؟ لعله أيضًا من محبي القادة المهزومين.

هل الرواية عن الخيانة، تستوجب كاتبًا خائنًا أيضًا مثلي؟

(*) مدونة نشرها الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها