الثلاثاء 2020/06/30

آخر تحديث: 16:13 (بيروت)

منال في الأدغال

الثلاثاء 2020/06/30
منال في الأدغال
increase حجم الخط decrease
الشعبوية سلاح ذو حدين. فإما أن يبدو بطلها كاذباً، أو منفصلاً عن الواقع. وفي الحالتين، هي استخفاف بذكاء المتلقي. الشعبوية تنجح أحياناً، بمؤازرة إعلام/إعلان احترافي. لكنها، لكي تفعل، يجب أن تُلعَب بحنكة، وليس كل من نشدها لاعباً، إذ تكشف مستوى ذكائه قبل أن تهين ذكاء "الشعب". وهي، بهذا المعنى، أكثر تعقيداً بكثير من ظاهرها الذي يبسّط الحقائق والواقع إلى الدرجة الشعورية الأوّلية، طمعاً في نقل هذه الأخيرة كوجبة جاهزة للاستهلاك وكإشباع أكيد لنهمة مفترضة سلفاً لدى "الجمهور"ً. نهمة لنوع معين من التعبئة، يظن الشعبوي أنه يعرف ماهيتها ومكوناتها بالضبط، فيصيب مرة، ويخطئ مراراً.


وبعيداً من شعبوية تلفزيون "الجديد"، التي لا جديد يقال فيها، فإن شعبوية وزيرة الإعلام، منال عبد الصمد، في ظهورها أخيراً عبر تقرير تلفزيوني "ميداني" في الشارع والسوبرماركت، أشبه برغيف خبز ساخن وقد خرج لتوه من فرن البلد: أبخرته شهية، مُدغدغة للغرائز، من دموع وفقر وحوار معيشي مع المواطنين في عقر شوارعهم ويومياتهم، لكن الطحين الذي عُجن به منتهي الصلاحية، والمغص حتمي.

بكت الوزيرة، فيما تجولت برفقة مراسلة "الجديد" في شارع الحمرا. أبكاها المتسول اللبناني (أرادوا بشدة أن ندرك أنه لبناني) والذي لم يستطع تلقي العلاج الذي يحتاجه. استلّت الوزيرة هاتفها، أجرت مكالمة سريعة، وأمّنت للرجل دخولاً إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي. وما عاد مهماً إن كانت الدراما (الدموع والواسطة للعلاج) حقيقية أم لا. فالفرضيتان كارثيتان: هي الوزيرة التي بالكاد مضت أشهر على تعيينها واحتباسها في محراب العمل المضني بعيداً من الشارع، وفي حكومة أتتنا أصلاً كحكومة "إنقاذ" من الانهيار الذي بتنا في عين عاصفته، بل وبعد ثورة.. تُفاجأ بقصة متسوّل في الحمرا (وليس في باب التبانة مثلاً). والفرضية الثانية، أنها الوزيرة ذات الكاريزما، تنزل بين الناس... الجميلة، الأنيقة، اللبقة، كممثلات السينما، ولا تقل عنهن موهبة. ناهيك عن الإقرار الضمني بأن الواسطة هي الحل.

دموع وزيرة الإعلام تخونها خلال جولة لها على شوارع بيروت والمحال التجارية: ما كنت متوقعة اتأثر هلقد #طوني_خليفة

Posted by Al Jadeed on Monday, June 29, 2020


تقود سيارتها وتقول إنها لم تكن تعرف أن الأمور بلغت هذا الحد، و"نحن من الشعب وللشعب"، بعدما شرحت لسيدة في الطريق أن الوزير موظف لدى المواطنين الذين يدفعون له راتبه. ألفباء الإدارة والمواطنة، تُرقَّص دَبِقة على الربابة.

ثم تدخل منال، السوبرماركت. "أليس" بين عجائب "سبينيس". رحلة سفاري في أدغال الكارثة اللبنانية. "تصدمها" الأسعار، مُستذكرةً أسعاراً قديمة لسلع كانت تشتريها بنفسها. سيناريو المزاح، لزوم الحبكة التلفزيونية المعهودة، ونكتة "فينا نذوق بألف ليرة" من برّاد أجبان ولحوم بأصفار كثيرة. لكن، مَن يتسوّق لبيت معاليها؟ وإن لم ترَ الأسعار بنفسها منذ فترة، كيف لم تشعر بها كامرأة عاملة (في وظيفة عامة، بل شغلت مناصب عديدة في وزارة المالية!)؟ وماذا تقرأ وزيرة الإعلام من مواقع الكترونية، وماذا تشاهد من نشرات الأخبار، حين لا تكون غاطسة في تفاصيل قانون الإعلام العتيد، وموجبات "حبس الصحافيين" الذي كان تلفزيون "الجديد" سبّاقاً إلى تنظيف صورتها من غباره؟ أو حين لا تكون ناشطة في تغريدات الاستنكار لدى اعتداء الأجهزة الأمنية والعسكر على الصحافيين؟

تلك الدهشة التي أُريد منها أنسنة الوزيرة حين وُضعت وجهاً لوجه أمام الغلاء ومعاناة اللبنانيين، هي في الواقع إدانة لا تقل عمّا تُسطّر به الطعون والدعاوى: وزيرة في حكومة إفلاس عميم، لا تعرف، أو تنكر أنها تعرف. إلى هذا المصاف خدمها "الجديد"، والشعبوية بنسخة الهواة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها