الأحد 2020/06/21

آخر تحديث: 10:07 (بيروت)

أحمد المير الأيوبي وثقافة الاغتيال

الأحد 2020/06/21
increase حجم الخط decrease
اختار المخرج والمسرحي جان رطل، أن يصور فيلماً وثائقياً بعنوان "المير"، "يستعيد شبه سيرة من لحم ودم لأحمد المير الأيوبي، عبر ذاكرة بقيت تحفظ له حكاياته وقصة حياته من قبل من عرفه"، كما يقول جان، والأيوبي "أبو حسن" الشاب الذي ترعرع في مدينة الميناء طرابلس ثم انتسب إلى الحزب الشيوعي ليصبح لاحقاً قيادياً بارزاً وفاعلاً، عايش أحداث 1958 واندلاع الحرب اللبنانية سنة 1975، وكان له دور في قيادة العمل المدني في طرابلس إلى أن اغتيل في 13 حزيران عام 1979، من قبل اتباع المخابرات السورية في لبنان، لأنه لم ينصع للإضراب الذي أُعلن في ذكرى اغتيال طوني فرنجية(والد الوزير السابق سليمان فرنجية) كما قيل... هكذا كان الأيوبي شهيداً في "بداية الغاء الأحزاب السياسية. وبداية إمحاء ذاكرة جيل اشتغل على قضايا لم تعد من ألف باء الحضور السياسي في البلد" بحسب تعريف الفيلم. 

لم يكن اغتيال الأيوبي الأول، ولم يكن الأخير، لكنه بالمختصر المفيد، يشكل نموذجاً لثقافة الاغتيال وثقافة المجازر في لبنان، وتحديداً في طرابلس ومحيطها، فكان مقدمة لاغتيال خليل عكاوي "أبو عربي"، ومقدمة لمجزرة ارتكبتها حركة التوحيد الاسلامية بحق 35 شيوعياً، بل مقدمة لاغتيال طرابلس نفسها من قبل النظام السوري الأسدي، إذ شهدت المدينة في منتصف الثمانينيات أعنف أنواع القصف بالراجمات على أحياء المدينة، واستمرت فيها حروب المتاريس بين جبل محسن وباب التبانة حتى وقت قريب، وكل حرب كانت تتسم بقالب اقليمي أو فئوي، وتوظف في إطار صراع جديد، مرة باسم الصراع العرفاتي الأسدي، ومرات باسم الصراع السعودي الايراني... 

ما "يلفتنا"، ونحن نستعيد ذكرى الايوبي بمناسبة تصوير الفيلم عنه، هو قول الحزب الشيوعي بنسخته اللبنانية، بأن الأيوبي وهو ابرز قادته، "استشهد من اجل وحدة لبنان وعروبته، استشهد ضد المشروع الانعزالي المدعوم اقليمياً"، وليس واضحاً أي مشروع انعزالي يقصد الحزب الشيوعي، وأي عروبة، وهو اغتيل على يد بعض من ينسبون انفسهم إلى العروبة و"قلب العروبة النابض"(دمشق) التي لم يكن الحزب الشيوعي بعيدا عنها خلال الحرب، وان كان حصل بعض "التوتر" بينهما... وعام 2019، وبعد نحو 40 عاماً على اغتيال الأيوبي، يطل أحد جهابذة الحزب الشيوعي ليقول إن "الايوبي وكل الشهداء الابطال الذين سقطوا فوق أرض الوطن... الذين رفعوا راية التحرير وقدموا التضحيات دفاعاً عن لبنان وعروبته وسيادته في وجه العدو الصهيوني وعملائه ودفاعاً عن القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ومن أجل إسقاط المشروع الأميركي الصهيوني واذنابهم الانظمة الرجعية العربية"ـ إلى آخر المعزوفة والاسطوانة الممانعتية، عادة حين تحضر هذه الكلمات "الفضائية" والخشبية عن اغتيال شخصية لبنانية، يعني أن "المحازبين" يفضلون "العماء" الايديولوجي على الحقيقة والوضوح في قول الأشياء، يفضلون الصمت على المحاسبة والموقف، بيان الحزب الشيوعي عن اغتيال الأيوبي، أشبه اغتيال آخر، سيتكرر خلال عمليات الاغتيال التي طالت قادته في بيروت والجنوب، وسيتكرر غداة اغتيال جورج حاوي في 21 حزيران عام 2005... 


لم يجرؤ غلاة الشيوعي على البوح بمن اغتال الأيوبي، هم دائما يلجأون الى المعمعة والتورية، ربما بعض "المنشقين" أو بعض الشيوعيين السابقين، كانوا أكثر جرأة في التصويب على جوهر القضية، كتب الناشط توفيق يوسف "لم يمضِ على دخول الجيش السوري الى طرابلس ايام معدودة حتى ثبت أن " باكورة الدخول، شمعة على قد الطول"... فقد اغتيل المسؤول العسكري للحزب في الميناء احمد المير الايوبي، وكرت بعدها سبحة التضييق والاحتواء. وعلت الشعارات والهتافات المعادية لإسرائيل والامبريالية الاميركية والنافية عن قوى الأمر الواقع ادنى اتهام... وعممت تلك الشعارات على الجميع"... هذه الدوامة اللفظية الخشبية عشعشت في مسار الحزب الشيوعي وثقافته وخطابه...  
بالمختصر كان اغتيال الأيوبي جزءاً من حلقة الدم في لبنان، أو العنف كحلقة متصلة، فالرجل رفض المشاركة في ذكرى اضراب طوني فرنجية، فكان ثمن موقفه رصاصات قاتلة، والنافل أيضاً أن جريمة اغتيال فرنجية وعائلته أتت بعد مقتل المسؤول الكتائبي جود البايع في شكا، على يد تيار المردة كما ذكرت المعلومات في حينها... واكتمل المشهد بأن قامت المخابرات السورية واتباعها بخطف 26 شاباً "مسيحياً" من القاع ورأس بعلبك، واعدامهم في منطقة وادي الرعيان (بعلبك) انتقاما لفرنجية.

هكذا العنف يولد العنف، هي الدوامة التي لا تنتهي، خصوصاً حين يأتي من يغذيها. ولا يبدو ان بعض القوى اللبنانية والاقليمية استخصلت دروساً من لعنه ثقافة الاغتيال، فما زالوا يمارسون الجريمة، وكأنها بند من بنود عملهم "السياسي"...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها