اتذكر اختناق الفلسطينيين في رواية غسان كنفاني وانا أحاول الكتابة عن موضوع مختلف وسياق مختلف، يتعلق بقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد... بغض النظر عن الصراع العرقي وتاريخ الإثنيات في الولايات المتحدة والعالم... مشهد مقتل فلويد أثناء تثبيته على الأرض بُغية اعتقاله من قبل ضابط شرطة منيابوليس، ديريك تشوفين، يختصر جزءاً كبيراً من العالم اليوم... ديريك الشرطي الذي لا يختلف كثيراً عن دونالد ترامب (أو فلاديمير بوتين او بشار الأسد أو نتناياهو أو أردوغان أو السيسي أو خامنئي)، ذلك الوحش ضغط على عنق فلويد لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال، لأكثر من سبع دقائق، وفلويد يردد "لا أستطيع التنفس" في وقت يصرخ بعض المارة طالبين من الشرطي التوقف عن ذلك، لكن الشرطي مارس ساديته إلى اقصاها، ولم يترك فلويد إلا وقد أصبح جثة هامدة.
أليس جزءاً كبيراً من العالم مصيره مصير فلويد؟ ذلك المشهد المريع حرّك المتضامنين في عدد من مدن العالم، ووصل التضامن الى إدلب، اذ استخدم رسام الغرافيتي السوري عزيز الأسمر، جدران أحد المنازل المهدمة في بلدة بنس، للتعبير عن تضامنه. وكتب في رسمه: "نحن من دعاة السلام والحرية.. ونعتقد أنه من واجبنا أن نتضامن مع القضايا الإنسانية في العالم". ويظهر هذا الرسم الغرافيتي، الذي رسمه الأسمر وصديق له، وجه فلويد وبجانبه عبارة بالإنكليزية: "لا للعنصرية" و"لا أستطيع التنفس". وقال فنان الغرافيتي السوري لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "إن هناك صلة في أذهان السوريين بين الموت خنقاً في الولايات المتحدة، والموت عن طريق استنشاق المواد الكيماوية في سوريا". وأضاف الأسمر: "لقد اخترنا الرسم على الجدران المدمرة لأنها أقوى في إرسال رسائل للتعاطف مع الشعوب المضطهدة".
بين عبارة "لماذا لم يدقوا باب الخزان"، وعبارة "لا أستطيع التنفس"، يعيش العالم اليوم... في كل دولة هناك أشباه لضابط الشرطة ديريك، الذي لم يأبه لمناشدة المارة، وهناك من يعيشون مصائر فلويد. صديق مقرب منه يُدعى كريستوفر هاريس، قال إن "الطريقة التي مات بها فلويد كانت عبثية. لقد كان يستجدي الحياة. كان يستغيث لكي يظل حياً. عندما تحاول أن تؤمن بهذا النظام وأنت تعلم أنه لا يشملك، عندما تتشبث بطلب العدل عبر القنوات القانونية ولا تستطيع إليها سبيلاً، عندئذ تشرع في تطبيق القانون على طريقتك". العالم كله في مرحلة العبثية، ففي حين كانت بعض المدن في ألمانيا وانكلترا وأميركا، تتظاهر ضد الجريمة الوحشية، كان الجيش الاسرائيلي يقتل إياد حلاق بدم بارد... إياد لا تتعلق قضيته بعملة مزيفة كما قيل أو زُعم في قضية فلويد، بل هو شاب متوحد، زعم القتلة لاحقًا أنهم اعتقدوا أن ما كان يحمله الشاب كان مسدساً لكنه اكتشفوا بعد قتله أنه لم يكن مسلحاً بالمرة. مات إياد "من دون أن يعرف حتى لماذا قُتِل"، قالت الصحف، وقالت والدته "إياد ملاك مش إنسان، شفاف خلوق تقي.. حرموني ابني بحجة أنه بحمل سلاح".. "أي سلاح وهو يعاني من التوحد، لا يختلط ولا يقترب من أي شخص فكيف لهم أن يقتلوه بدم بارد؟".
هذيان اسرائيل في الموضوع الأمني ليس جديداً، فهي تمارس وحشيّة باسم الحفاظ على أمنها، تفتعل الحروب بحجة الحفاظ على وجودها. من فلسطين إلى أميركا، تباً للأغبياء الذين يحكمون العالم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها