الوجه الثاني في مقال غادة السمان يتمثل في رسائلها الضائعة، وخدعة أدب الاعتراف والبوح. تعترف السمان بأنها عرضت على" أو شجعت، صديقها، أن تكتب له رسائل جديدة، بعد قوله بفقدان الرسائل الاصلية في الحرب، مقابل أن تدفع دار نشر ثمنها 10 آلاف دولار. والسؤال ماذا لو أعادت كتابتها فعلاً؟ هل سيلجأ أحدهم الى التنقيب عن الحقيقة؟ ومن يعرف الحقيقة؟ هل ستكون الرسائل نفسها التي كتبتها سابقاً؟ وهل سيبحث النقاد عن خبير للخط أو الورق؟ كثيرون اتّهموا غادة، من قبل، بأنها أخفت رسائلها الى غسان. لكن غادة تنكر ذلك تماماً. وفي مقدّمتها لكتاب الرسائل، أشارت إلى أنها وجهت هذا النداء في 21/ 4/ 1989، عبر صفحات مجلة "الحوادث" اللبنانية، إلى مَن رسائلُها إلى غسان في حوزته، أو في حوزتها، تدعوه فيه إلى إعادتها إليها كي تصدر الرسائل كاملة: رسائلها إلى غسان ورسائل غسان إليها، وذلك كي لا تصدر رسائل غسان وحدها، حاملة أحد وجوه الحقيقة فقط، بدلاً من وجهيها. وتضيف: "وأنا، والحقّ يقال، لا أدري أين رسائلي إليه". وتكرر نشر النداء مرات على ألسنة أدباء ونقاد آخرين قبل إصدار الطبعة الأولى من الرسائل، ولم يستجب أحد للنداء حتى لحظة صدور الطبعة الخامسة (2005)... في الملخص، فجّرت غادة السمان قنبلتين أدبيتين. في المرة الأولى، نشرت رسائل غسان كنفاني الغرامية إليها، في النصف الثاني من الستينات. وفي المرة الثانية، نشرت
هيامات أنسي الحاج. وهي تقرّ بأن رسائلها الى غسان ضاعت، وكذلك رسائلها الى صديقها (ع.س) الذي ورد اسمه في رسائل غسان (فماذا عن رسائله إليها؟)، وأيضاً الرسائل التي كانت تكتبها لعاملة المنزل، ولم تتحدث غادة عما إذا كانت كتبت رسائل الى أنسي الحاج...
اعتراف غادة السمان بعرضها اعادة كتابة الرسائل، يأتي من ضمن ما يسمى أدب الاعتراف، وكتابة الاعترافات هي "سيرة النفس" أو سيرة عريها، وبغض النظر عن رسائل غسان/غادة، يلعب الخيال دوراً كبيراً في موجة الاعترافات الراهنة، كما لعبه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عصر ازدهار الاعترافات، الى درجة يوصي باودولينو بطل أمبرتو إيكو "إن أردت أن تصبح متأدباً أو أرفع شأناً، إذا أردت أن تكتب ذات يوم أخباراً، يستوجب عليك أن تكذب، وأن تختلق بعض الحكايا، وإلا كان تاريخك مضجراً".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها