الجمعة 2020/05/08

آخر تحديث: 14:59 (بيروت)

عن ربح النخبة وانهيارها

الجمعة 2020/05/08
عن ربح النخبة وانهيارها
ارشيف:الجامعة الاميركية(المدن)
increase حجم الخط decrease

في إثر 17 أكتوبر، طلعت نخبة لبنانية من الجامعة الأميركية في بيروت، نحو وسط المدينة. بدت هذه النخبة، وفي تلك اللحظة، أنها تتبدل، لكنها، وما أن وصلت إلى مبنى البيضة، حتى احتلته بعد تحريره، قبل أن تتمدد إلى بعض حواشيه، وتمكث فيه. بالتالي، جعلت النخبة من ذلك المبنى امتداداً لفقاعتها الأكاديمية، فجلست داخلها، ومضت إلى "تعليم" الوافدين إليها، من طلاب وأغيارهم، محاولةً تظهير مشهد ثوروي وشعبوي عنها، وهو إعادة تدوير لتصور سطحي عن الستينات والسبعينات، مفاده أن "تعليمها" صار لا-صفياً، وأنه صار على اتصال بوقائع الشارع.

وبهذا المشهد، اقترنت مقولات، أو بالأحرى شعارات، أخذت محل افتعالات سردية منتهية الصلاحية من نوع "الوجه الكوزموبوليتي لبيروت"، وتأرجحت بين النقد الذاتي والتطفل، من قبيل "علينا أن نكون تلاميذهم"، و"هُم" أي المتظاهرون، أو كل ما لا يمت إلى الفقاعة الأكاديمية بصلة. إذ أن النخبة، وبعد عقود من مكوثها في رجائها المقفل، لم تطلع سوى لتستدخل تلك البيضة في فقاعتها، وفي أثناء ذلك، قدمت نفسها على أنها تغيرت في نتيجة الحدث، محاولةً، وبطريقة فاشلة بالطبع، التمايز عن نظامها، قائلةً أنها ليست جزءاً منه، من المشكلة، بل أنها تشارك في صناعة الحل.

وبالفعل، مشاركة النخبة في الحل سرعان ما بدأت ملامحها تتضح شيئاً فشيئاً. فبالتوازي مع مكوثها في البيضة، صعدت إلى قصر بعبدا، ممثلةً بعميدها فضلو خوري الذي صارح جنرالها ميشال عون عن "الدولة المدنية التي تتجاوز الطائفية والمحاصصة". ارتاح العميد إلى الجنرال، الذي، وبعدما أخذ من الصراحة نصاحتها، ناقلاً إياها إلى كل محوره الممانع الذي لم "يمانعها"، حقق مشاركة النخبة في الحل. وهذا، عبر اختياره، وقبله محوره، أنموذجاً من النخبة - على الرغم من الاعتراض النافل في صفوفها حيال طلته ومجلداته، وانعدام العلاقة الاجتماعية به - من أجل وضعه في "موقع المسؤولية": الدكتور حسان دياب.

على هذا النحو، ما بدأ في البيضة انتهى إلى السراي، ووصلت النخبة، وعلى متن فقاعتها، إلى السلطة. ربحت ثورتها، وقد تجسد هذا الربح في دياب، إذ أنه ليس مجرد دكتور، صاحب إنجازات ونجاحات، بل على العكس يتحلى - موقعاً وشخوصاً ومسلكاً - بقدرة على كسر الحدود والجمع بين: الممانعة -وكتكنوقراطي مستقل- اللاممانعة، حبه لصرحه وكرهه له، الأستذة الجامعية والتقرب من طلابه إلى درجة انتحالية حتى، المناقبية المؤسساتية التي حافظ عليها خلال مزاولته لوظيفته، والانفتاح على كل مغايرها، أكان زملاؤه في ما يدعى "الجامعة الوطنية" أو طلابهم. بعبارة واحدة: هو داخل وخارج النخبة والجامعة والإصلاح، أي داخل وخارج الفقاعة، وعلى هذا المنوال الرشيق والمدهش واللامع، والديموقراطي قبل كل شيء، هو الثورة بحد ذاتها!

هكذا، ربحت النخبة ثورتها، والربح هذا، ولأنه ربحها، يسجل لنظامها، الذي، وما أن رست في حكومته، حتى طاولها، وطاولته، بمعنى أنه صار أكاديمياً. أما هي، فقد انتقلت الى انهياره. ذلك أن المراسَلة الأخيرة لفضلو خوري عن جامعته تبدو كأنها وصول (متأخر؟) إلى ذروة الربح، والثورة، والنظام معاً، وقد جرى التمهيد لها على مدى عقود في قلب الصرح، ونخبته، التي، ومع أنها ذات يوم انقسمت على النحو الآذاري، إلا أنها تخطت هذا الانقسام في أنموذج دياب نفسه. وما أن حققت ذلك، حتى بدا أنها تنجز سيرورة سقوطها، الذي يرادف، هنا، وصولها إلى السلطة، وبالتالي، نهايتها كطرف يعول عليه في أي تغيير مقبل، لا سيما أنه لم يكن جديراً سوى في الاستعانة ببرنامج "باوربوينت" لعرض الانهيار والاستمرار فيه، وفي مفاقمته.

لقد أنهت تلك النخبة مراحل سيرورتها، دخلت في نهايتها، وكأي شيء من نظامها، قد تنكر موتها، وتكابر على دفنها. لا بأس، كل هذا متوقع للغاية لا سيما بعد "تاريخ عريق" من الانغلاق والتوهم ثم الثوروية والشعبوية، لكن، كل هذا أيضاً، يشير إلى ضرورة نخبة أخرى، وحول هذه الضرورة، حديث مختلف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها