الخميس 2020/04/09

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

محمد الحباشة لـ"المدن": الأشخاص كُتُب.. علينا أن نقرأها جيداً

الخميس 2020/04/09
محمد الحباشة لـ"المدن": الأشخاص كُتُب.. علينا أن نقرأها جيداً
increase حجم الخط decrease
من البديهيِّ أن نتحدّث عن الكتابة والقراءة أثناء الحجر الصحّي الشّامل بسببِ جائحة الكوفيد التي يعيشها العالم اليوم. فلا مناص من ذلك، في هذه العزلة، عندما يتعلّق الأمر بالحياةِ اليوميّة للكاتب. لكنّي أودّ الحديث هنا عن شيء آخر. وهو الإشارة إلى كلّ ما فاتنا ونحن نعيشُ حياة الخارج بكلّ إرهاقها وإيقاعها السّريع في العمل والتنقّل والاحتكاك بالنّاس وحتّى التّرفيه. ففي خضمّ كلّ هذا، ربّما فاتنا أن نتساءل أيُّ حضورٍ للعائلة في حياتنا؟ أو بالأحرى، أيّ حضُورٍ لنا نحن في الحياةِ العائلية؟

منذُ وقتٍ قليل، توفّي عمّ لي، فجأة، ومن دون سابق إنذار. أربعة أيّام بعد أزمة قلبيّة كانت كافية لأن تنقله إلى العالم الآخر. ومنذُ تلك اللّحظة وأنا أعيشُ تحت سطوةِ الفكرة المُرعبة بأنّي لم أكن قريباً منهُ بما يكفِي، بالرّغمِ من أنّنا كنّا قريبين فِعلاً، أكثر من الصّديقين بقليل. ولكن سُؤال "ماذا لو؟" يبدو مُلازِماً لكلّ حالةِ فقدٍ. ماذا لو تحدّثتُ معه أكثر؟ ماذا لو ذهبتُ للقائه أكثر؟ كان عليّ أن أردّ على اتّصاله عندما هاتفني في العمل. وأشياءٌ من هذا القبيل. ومن شأن هذه الأسئلة والمراجعات التي يقوم بها المرء، أن تدفعه لقضاءِ وقتٍ أطول مع أحبّائه ومع العائلة. لا يكفي فقط الانعزال عن العالم في غرفة مع كتابٍ، فبهذه الطّريقة قد نعزل الآخرين عنّا أيضاً. الأشخاصُ أيضاً كُتُبٌ، علينا أن نقرأها جيّدا قبل أن يفوت الأوان لذلك. يجبُ أن نقرأها ونتحاور معها ونخصّص لها ما أمكننا من مساحاتٍ في الذّاكرة. لأنّ تلك "الذّاكرة – المتحف" (والعبارة لبول أوستر) هي كلّ ما سيبقى لنا في النّهاية. فهذه العُزلة إذن، هي فرصة لأن نسقِي أُصص الأزهار الجافّة في ركن مّا من البيت، مع الأب أو الأمّ أو الإخوة، وأن نتقاسم عشاءً حميماً من طبخ الوالدة، ونتحدّث في الشّأن العامِّ والخاصّ، ونعيش هذه الأزمة معاً، بكامل كينوناتنا، وعلى اختلافاتنا مهما وصلت حدّتها.

ففي مثل هذه الأزمات، وفي الحياة برمّتها، بما هي أزمة الذّات الباحثة عن مكانها في العالم، لا شيءَ يحثّ على الاستمرار غير ما توفّره العلاقات الإنسانيّة من حرارة وقدرة على إبداع وجودِها بطرق مختلفة. ما تقوله لنا هذه الجائحة هو التّالي: "انتبهوا أيّتها الكائنات الهشّة، الكارثة عند أعتاب بيوتكم، تلك البيوت التي تجمع أحبّ النّاس إليكم، وأحيانا كنتم تترفّعون عن دخولها".
  
(*) شهادة كتبها الروائي التونسي محمد الحباشة لـ"المدن" عن يوميات كورونا
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها