الإثنين 2020/04/06

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

من "بزنس" الجسد إلى مناعة الجسم

الإثنين 2020/04/06
من "بزنس" الجسد إلى مناعة الجسم
في كنف الموضة
increase حجم الخط decrease
في زمن ما قبل كورونا، كانت تتردد على ألسنة الأوروبيين جملة "لدينا الكثير". هناك تخمة في كل شيء معروض في الأسواق. واليوم تحفل النقاشات في وسائل التواصل والاعلام بانتقادات صريحة للنزعة الاستهلاكية، والنرجسية العالية التي عزلت الغرب إلى كوكب بعيد عن بقية العوالم التي تعيش على مسافة بعيدة، رغم العولمة التي باتت أمراً مبتذلاً في ظل السباق على مراكمة الأرباح. وهناك من يعتبر أن الغرب بالغ في توظيف التقدم التقني واستثمار رؤوس الأموال في حاجات تبين أنها كمالية، ويمكن الاستغناء عنها اليوم وغداً. وجاءت حرب الكمامات، الأسبوع الماضي، لتسقط نظريات كثيرة حول حروب المستقبل، ومنها حرب الفضاء. وتبين أن امتلاك جهاز تنفس اليوم، أفضل من امتلاك طائرة خاصة أو يخت، رغم أن ثمن الجهاز لا يتعدى 25 ألف دولار.

المفكر الفرنسي ادغار موران، له السبق في قراءة تداعيات وباء كورونا. وفي حديث أدلى به إلى المجلّة الفرنسيّة، L'Obs، عدد 18 مارس/آذار 2020. اجتهد في استشراف النظام الذي ينتظر العالم ما بعد كورونا، وركز في صورة خاصة على نمط حياة المجتمعات الأوروبية بقوله "ستتأثّر إمكانات الاستهلاك بالنّسبة إلينا جميعاً. وعلينا أن نُحسِنَ توظيفَ هذه الحالة حتّى نُعيدَ النّظر في النّزعة الاستهلاكيّة، ونعني: الإدمانَ و"الاستهلاكَ المُخدِّر"، وتسمُّمَنا النّاجمَ عن سلع غير نافعة حقّاً، وحتّى نتخلّصَ من الكمّ لفائدة الكيف".

رأيُ موران يساهم في الإجابة عن أسئلة أخذ يطرحها كثير من الناس: هل ستتغير علاقتنا بالأشياء، والزمن، وبعضنا البعض، بعد أن ينتهي هذا الكابوس؟ وغير بعيد من الجواب، يأتي خبر "خمس شركات للسيارات تتحول لإنتاج أجهزة تنفس وكمامات"، وجاء فيه "استجاب عدد من مصنعي السيارات حول العالم إلى دعوات تطالبهم بالانخراط في جهود مواجهة الفيروس، وتحويل جزء من إنتاجهم لدعم تلك الجهود"، وأبرز تلك الشركات فورد، فولكس فاغن، تويوتا، جنرال موتورز، فيات. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد مارس الضغط على كل من جنرال موتورز وفورد، من أجل الانخراط في المشروع بسرعة، ما يشكل نقلة في عمل الشركتين العملاقتين المتخصصتين في تصنيع السيارات منذ أكثر من قرن. والملاحظ أن المبادرة تعممت في أكثر من بلد، مثل شركة بيجو في فرنسا، إذ قررت هي الأخرى انتاج أجهزة التنفس التي باتت العملة النادرة والمعيار، وعددها يشكل الحكم على تقدم النظام الصحي في أي بلد.
صحيح ان ترامب استخدم صلاحياته في إعمال قوانين الطوارئ (قانون الإنتاج الدفاعي) للضغط على الشركتين، لكن العملية ليست منفصلة عن مسار يبدو أنه سيشق مجراه تدريجياً على شكل صدمة لما بعد كورونا، بدأنا نلمس تجلياتها في بلدان كثيرة، بدءاً من ميلانو- أحد المراكز الأساسية في عالم الموضة. وتقول الحكاية أن أحد رواد الموضة بدأ بخياطة كمامات له ولعائلته ثم جيرانه وبعدها اصدقائه ومعارفه، ومن ثم للمشافي، مستخدماً تلك الاقمشة التي كانت يخصصها لثياب زبائن الفخامة والأبهة، ولم يطل الوقت حتى لحقت به بيوتات موضة كبيرة من ايطاليا وفرنسا مثل "كيرنج" و"سان لوران" و"بالانسياجا". وهذه الالتفاتة من طرف قطاع محسوب على بزنس الرفاهية والموضة والجسد، ذات مفعول رمزي في هذا الوقت، لأن هدفها ليس الربح التجاري، بل المساهمة في المجهود الطبي لمواجهة الوباء، ولا تعني بكل الأحوال ان هذا القطاع سيكرس نفسه في المستقبل لصناعة احتياجات طبية، مثل الكمامات التي ظهر أن مخزون المشافي والصيدليات الأوروبية منها، لم يكن في حسابات الطوارئ، وهذا يشكل أحد أسباب تفشي المرض بسرعة. وانما يعني بوضوح ان ما هو ضروري ومهم لحياة الناس لم يكن في حساب أحد، وإن قدراً كبيراً من رؤوس الأموال جرى توظيفه من أجل رفاهية فئات محدودة، لكنه يحتمل في الوقت ذاته أن هذا القطاع الاستهلاكي لن يبقى على حاله، وسيلحق به الضرر مثله مثل صناعة التجميل بشكل عام.

ولن يلبث أن يحتل كل ما هو صحي، مكان ما كان يلهث وراءه قطاع واسع من المجتمع. ستطغى صناعة الفيتامينات وأدوية المناعة، على المجوهرات والملابس والسيارات، وسيهجر الناس الصالونات الفارهة والواسعة إلى بيوت متواضعة مزودة بأنظمة صحية للطوارئ. ستتراجع مهن الرفاهية لصالح ابتكارات جديدة تأخذ العالم من صناعة بزنس الجسد، إلى مناعة الجسم. ومن غير المستبعد أن تصبح أجمل هدية في المستقبل القريب أسطوانة تنفس صغيرة. وربما يأخذ "لوي فيتون" هذا الفكرة ويزود كل حقيبة يد نسائية بجهاز تنفس صغير حتى تناسب سعرها الحالي الذي يبلغ في أدنى حد خمسة آلاف يورو.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها