الأربعاء 2020/04/29

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

لبنى أبو خير لـ"المدن": بالمسرح.. طعَّمنا الألمانية بلغة الغرباء

الأربعاء 2020/04/29
increase حجم الخط decrease
تعمل الكاتبة المسرحية السورية، لبنى أبو خير، بصمت واجتهاد. إذ إنها، وبعد دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم النقد، قبل خمس سنوات، توجّهت إلى سويسرا عبر منحة مسرحية، كانت السبب في بقائها هناك والانطلاق في حياة جديدة على مستوى الكتابة والشغف المسرحي والكتابة باللغة الألمانية. 


وفي حديثها الخاص لـ"المدن" تؤكد لبنى أن في رصيدها "أكثر من 12 عرضاً مسرحياً بين مشاركة وتأليف. فيما تشير إلى العروض الخاصة بها، ومنها "هاملت ماشين" العام 2014 مع مجموعة من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحيّة - دمشق/ بيروت، أمّا في سويسرا فقد قدمت "مقهى دمشقي" العام 2018، و"قوس قزح/ الضوء المكسور" مع مسرح النيو ماركت العام 2019". وترشحت لبنى كأفضل كاتبة مسرحية شابة لعام 2019 من قبل مجلة "المسرح اليوم" الألمانية، وترشح عرضها الأخير "قوس قزح/ الضوء المكسور" لجائزة أفضل عرض مسرحي من ملتقى المسرحي السويسري.

وبالعودة إلى عرض "قوس قزح" (2019)، والذي كان الدافع لإجراء هذه المقابلة مع الكاتبة للتعريف بها للمتلقي العربي، فإن نص هذا العرض الذي كتبته يقوم على موضوعة الهجرة، وقُدم بدعم من مسرح "النيو ماركت" في زيورخ مؤخراً وكان تحت إشراف "جوليا رايخرت" Julia Reichert، وكانت عروضه مستمرة قبل تفشي "كورونا". 

تقول أبو خير: "تيمة النص هي العلاقات الإنسانية بالدرجة الأولى، حيث تؤثر أفعالنا التي نقدمها للحياة، في الآخرين والعكس، حتى ولو كانت المسافة بعيدة في النهاية، نحن مرتبطون ببعضنا البعض، في ظل النظام الرأسمالي، شئنا أم أبينا".

كل شخصية في النص تقدِم على فعل، وهذا الفعل يؤثر في شخصية أخرى ويغيّر سلوكياتها، بحسب أبو خير، وتضيف: "الهجرة والانتظار كانا الوسيلة لترجمة ما أريد في النص، بمعنى أوضح كانت تيمة الهجرة هي الوسيلة. ولماذا تيمة الهجرة؟ لأنني ببساطة مهاجرة ومن خلال العنوان قوس قزح/الضوء المكسور هو دلالة لرابط غير ملموس بين دمشق وزيوريخ كما قوس قزح ينبع من مكان ويصب في مكان آخر بألوانه المختلفة، أما الضوء المكسور فكان خيار المخرجة (Ivna Ciz) لأن دلالة قوس قزح باللغة الألمانية هي دلالة لشيء ملوّن ورومانسي بالتالي لا يخدم تيمة العرض".


وألّفت الكاتبة نصها وفق خمس شخصيات وهي: "مايا"، امرأة مقيمة في سويسرا ليس لديها أوراق ثبوتية تحاول أن تساعد والدتها. و"ندى"، المقيمة في تركيا أيضاً بلا أوراق تحاول المجيء إلى سويسرا بشكل غير شرعي عن طريق مهرّب يعمل سائقاً، وهو الذي يقيم علاقة استغلال مع مايا. كما لدينا شخصية "وضاح" وهو عسكري سوري منذ 2010 في دير الزور "حبيب مايا السابق"، يموت هناك ويتقمص شخصيته طفل سويسري عمره 5 سنوات يدعى "أليكس" يروي قصة وضاح ويلعب دور الراوي في النص.

ويتميّز نص أبو خير، في أن بنيته في اللغة الألمانية، قادمة من التجارب التي يتعلم من خلالها الأجنبي اللغة الألمانية، وبالتالي فقد سعت محاولة الكتابة هنا إلى الاعتماد على خبرة الكاتبة وأسلوب تفكيرها ببناء النص، القادم من قاموسها باللغة العربية. أي ثمة دعوة لصناعة لغة جديدة خاصة بالغرباء والأجانب، لتطعيم الثقافة بشكل تعبيري جديد، هو مزيج من لغتين لخيال شخص واحد. وفي هذا السياق، تروي أبو الخير المصاعب التي واجهتها أثناء كتابة النص، قائلة: "من دون شك، بالنسبة إلي هناك، صعوبة أن يُكتب النص الأصلي بالألمانية، وهذا ما جعلني أتحدى نفسي لأخلق محتوىً جديداً، ولغة يسمعها الجمهور الألماني للمرة الأولى. كان الهدف في البداية أن أتجنب استعمال شاشة الترجمة على الخشبة، لأن ذلك بصراحة خيار غير مريح لفريق العمل وللجمهور. في البداية كنتُ أكتب باللغة الألمانية، وأنقل بشكل حرفي من اللغة العربية، وهذا ما أصّر عليه فريق العمل المخرجة والدراماتورج. وبعدها صرتُ أبحث في اللغة عن الكلمات التي تحافظ على خصوصية اللغة الألمانية "المكسورة" في النص. استوحيت هذه الفكرة من الموسيقى العربية المغايرة على أجهزة موسيقية غربية مثل "التكنو والكيز" وفي النهاية لما لا؟ فنحن نعاني حقيقة من هذه المشكلة في مجتمعاتنا، حتى مع الأكراد والأرمن، فهم أبناء الوطن مثلنا، لكن بعضهم كان يجد تحدياً في تعلم لغتنا. تلقي الجمهور لهذه اللغة كان بالنسبة لي صدمة نجاح كبير، حيث أبدوا إعجاباً كبيراً على مستوى النص واللغة على وجه الخصوص، لا سيما أن النص ترشح لجائزة المسرح الأولى في سويسرا، لكن لم يحالفنا الحظ، وكنت قد ترشحت من مجلة "Theater Heute" لأفضل كاتبة شابة للعام 2018 عن نص "مقهى دمشقي" الذي حمل تيمة الاعتقال"، كما تقول.

وأثناء الدردشة التي أجريناها مع الكاتبة، عبر سكايب، تطرقنا لتجربة الكتابة الجماعية لجهة التنفيذ على الخشبة، حيث سعى كل فرد في مجموعة العمل لإضافة شيء، وحاولت الكاتبة تقديم شروحات جوهرية لجُمل وعبارات من اللغة العربية وعاميتها السورية، ومعالجتها بشكل مشترك لنقل تأويلات الثقافة السورية. وهنا سألناها: هل انفصل النص في شكله الأول عن النص أثناء العرض، فأكدت أبو الخير: "لم ينفصل! بقدر ما هي إضافات من قبل فريق العمل، فهذا العمل نجاحه الكبير أتى من أن كل شخص أدى مهمته من وجهة نظره الخاصة، حتى التقت الأفكار، ليكون عرضاً واقعياً من جهة، وفيه من الخيال من جهة أخرى. فضول مصممة العرض "صوفي ريبليه" في التعرف على ثقافتنا كان بهدف فهم الثقافة التي يتحدث عنها النص أولاً، وليوحي لها بالتصميم الذي تريد الانطلاق منه ثانياً، وهذا ما نفتقده في ثقافة العمل المسرحي لدينا، أن المخرج يتعامل مع الأشياء كأنه الديكتاتور الكبير، وهذا ما لا أحبذ أن يستمر أبداً"، بحسب تعبيرها.

وتوقفت الكاتبة عند غرابة تصميم خشبة المسرح، والتي كانت وسط الجمهور بشكل دائري، الأمر الذي دفعنا للسؤال عن الهدف، إضافة إلى تجربة إعادة إنتاج أصوات نسمعها يومياً، كإشعارات الهاتف، لتكون مادة سمعية -موسيقية فنية. تقول أبو الخير: "هو خيار المخرجة ومصمم الموسيقى، وأنا وجدته مناسباً لروح العرض ولجو المسرح بشكل عام، ولمَ لا؟ فلتتحول التفاصيل اليومية إلى موسيقى...؟!".

وعن عودة تصميم السينوغرافيا، في هذا العرض، إلى الميثولوجيا السورية والقراءة حول تفاصيل معينة من أجل خدمة العرض، حاولنا البحث عن الدافع للعودة للماضي طالما الحاضر ينهار أكثر فأكثر في الأحداث السورية. إلا أن أبو خير تعتبر أن "انهيار الحاضر واضح، لكن هل الماضي انهار بشكل كامل؟ بالطبع لا! ما زال شغفنا وشغف العالم بحضارتنا مستمراً".

وفي محاولتها لتصدير ثقافة مغايرة عن الدعاية حول العالم العربي، وتحديداً حول سورية، خصوصاً أثناء إطلاق تعابير باللغة الألمانية عن واقع سوري، قالت الكاتبة إنها "أظهرت الجانب الهزلي في مأساتنا، لكن بحيث يأخذ الجمهور ذلك على محمل الجد، وليس فقط كمزحة عابرة". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها