الأحد 2020/04/26

آخر تحديث: 09:10 (بيروت)

"اتجاهات–ثقافة مستقلة":الأولوية منع التسرب من القطاع الإبداعي

الأحد 2020/04/26
increase حجم الخط decrease

ولدت مؤسسة "اتجاهات – ثقافة مستقلة" في مرحلة عاشت بيروت خلالها تفاؤلاً وانتعاشاً فنياً ترافق مع صخب ثوري وفكري سببته الثورات العربية. يومها، ازداد دعم الفنانين والمؤسسات في آن بينما ارتفع المستوى الفني في المدينة ضمن مجالات مثل المسرح، الموسيقى الشرقية، والفن التشكيلي.

أما اليوم وبعد مرور سنوات طويلة على ذلك التاريخ، تعيش بيروت مرحلة مختلفة كلياً، يسيطر عليها التشاؤم. فقد هاجر الكثيرون من الفنانين الذين كانوا يتعاونون مع اتجاهات إلى اوروبا بحثاً عن ظروف أفضل من التي عاشوها في لبنان، بينما تدهورت أحوال الوسط الفني تدريجيا لنصل إلى مرحلة يهدد فيها اليوم انتشار فيروس كورونا البنية التحتية الفنية بأكملها (بعد أن أدت الأزمة الاقتصادية إلى دخول المؤسسات اللبنانية في أزمات تمويلية).

تحاول "اتجاهات" اليوم الاستجابة قدر الإمكان إلى التحديات المرتبطة بالظروف التي تعيشها بيروت، مركزة على إعادة ترتيب الأولويات والاستراتيجيات التي يفترض العمل من خلالها من أجل تحقيق الأهداف التي أنشئت المؤسسة من أجلها، وأهمها في اللحظة الحالية حماية تسرب جيل جديد من الفنانين من العمل الإبداعي نتيجة ضعف شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وفي الوقت ذاته تأثيرات الأزمات الاقتصادية المستمرة في لبنان والتي يتأثر بها بشكلٍ كبير العاملون والعاملات في القطاع الثقافي.

وفق عبد الله الكفري المدير التنفيذي لـ"إتجاهات"، روحية الإستراتيجية التي ستعتمدها المؤسسة اليوم تتلخص بالمحافظة على أمان الفنانين الذين يعتبرون الحلقة الأضعف: "نقرأ مؤخراً تقارير مخيفة عن أوضاع العاملين ضمن النمط الحر وهو النمط السائد غالباً في حالة الفنانات والفنانين، ونعتقد أن المشكلة قد تتفاقم خلال أشهر قليلة، ونجد أنفسنا أمام تهديدات جديدة تضاف إلى التهميش الذي يمارس على ممارسي الفنون وهشاشة وضعهم. لذلك من المهم فتح النقاش الآن وعدم الانتظار حتى نجد انفسنا في منتصف المشكلة، والتفكير باستجابات طوارئ حالية تتوازى مع مناقشة جديدة حول "وضعية الفنان" القانونية والاجتماعية ضمن اقتصادات المنطقة العربية".

أحد أوجه أزمة الفنانين هي عدم امتلاك الأكثرية لشبكات أمان صحي، وعجز البعض عن العمل بشكل قانوني (الفنانين السوريين). في الوقت نفسه، تغيب مجموعات التكافل والنقابات التي يفترض ان تكون الجهة التي تدافع عن الفنان في العادة: "غالباً ما نفكر في الفنان بصفته فرداً لكننا ننسى ان لديه عائلة وشركاء وأبناء عليه أن يؤمن لهم معيشة محترمة. نعتقد أنه في غضون أشهر قليلة سيضطر كثيرون للإنتقال إلى ظروف سكن أسوأ بينما سيعود بعضهم إلى بيوت أهاليهم. من الأشياء الخطيرة ايضا اننا سنشهد تسربا للطاقات من المجال الفني وانتقالا للفنانين إلى مجالات تؤمن لهم دخلا افضل" وفق الكفري.

من الإشكاليات الأخرى التي تواجه المؤسسة اليوم، أن "المجتمعات الهشة" التي تتعامل معها في العادة تمتلك أولويات معيشية واقتصادية تفرض أنفسها على إنتاج الفن، ما يجعل التدخل عبر النشاطات التقليدية أمراً مستبعداً. مع العلم أن المشاريع التي كانت تدعمها المؤسسة في السابق وتعتمد على التدخل إجتماعياً وثقافياً (ضمن هذه المجتمعات) عبر نشاطات تتطلب تجمعاً، مثل التدريب، ورش العمل، والعروض الحيّة، لم يعد من الممكن تنفيذها في الظروف الحالية. إلا أن فكرة التدخل الاجتماعي يمكن أن تأخذ شكلا أوسع من الأنشطة الميدانية المذكورة، وإن المرحلة الحالية تشكل أزمة حقيقية لهذه "المجتمعات الهشة"، التي ترى المؤسسة أنه يجب التوصل لحلول بديلة تتعلق بآلية تحقيق أثر معين وتقوم على اقتراح سبل تفاعل مبتكرة تتناسب والسياق الحالي.

لذلك طرحت المؤسسة أسئلة أساسية عن كيفية تكييف برامجها مع الظروف التي نمر بها: "نحن اليوم نعيد النظر في استراتيجية عملنا ونقوم بتأجيل جميع النشاطات التي تتطلب لقاءً وتجمعاً وسفراً، بينما نركز على الأسئلة التالية: كيف نستمر في دعم الإنتاج الإبداعي وعمل الفنانين، وكيف نتعامل مع ما يحدث كأزمة ستؤثر على مفاهيم وقيم العالم، وكيف يساهم الفنان في التغيير المجتمعي ضمن الظروف الحالية من دون أن يعتمد على ممارسات تقليدية لا تتناسب مع الحاضر؟"

بيان تفصيلي عن البرامج المقبلة

وأصدرت "اتجاهات" بياناً تحدثت فيه عن أوجه الأزمة المتعددة بالنسبة للفنانين، وشرحت كيفية ملاءمة برامجها مع المرحلة المقبلة. يمكن تلخيص الجزء المتعلق ببرامج المؤسسة ضمن ثلاث نقاط هي: "متابعة فتح باب التقديم إلى الدورات الجديدة من برامج المنح"، "مراجعة بعض البرامج وتعديل أنشطتها لتقدم خدمات تتناسب مع الوضع الحالي"، و"إطلاق برامج تستجيب إلى احتياجات المرحلة وتخفف من تحدياتها".

أما البرامج التي تستمر المؤسسة بتقديمها هي: "برنامج مختبر الفنون لدعم إنتاج 15 مشروعاً إبداعياً جديداً خلال العام 2020، برنامج أجيال الذي يقدم 8 منح لدعم دراسة الفنون ضمن مرحلتي الباكالوريوس والماجستير، وبرنامج أبحاث لتعميق ثقافة المعرفة لدعم 10 باحثات وباحثين في مختلف المجالات الثقافية".

البرامج التي ستعدل من أنشطتها المؤسسة هي: "برنامج سند الذي توسع المؤسسة من نطاق خدماته، ليشمل إضافة إلى الدعم القانوني دعماً لتكاليف المعاملات القانونية ومستلزمات تجديد الإقامات والتأشيرات وجوازات السفر (مع توسيع خدمات البرنامج ليضم ألمانيا)، وبرنامج ابتكر الذي يقدم 10 فرص دعم مالي ومرافقة فنية لتطوير أفكار ومشاريع اختبارية حول الفنون والمجتمعات".

اما من ناحية البرامج الجديدة، فأطلقت المؤسسة 3 برامج هي: "برنامج سبل الذي يضم سلاسل فنية الكترونية مصورة ومتاحة تحت رخصة المشاع الإبداعي، برنامج مهارات التدريبي الذي يتيح فرص بناء قدرات 26 تقنية وتقنياً في مجالات فنون الأداء مع موارد الكترونية تعزز من أهمية ربط هذا المجال مع القطاع الخاص، بالإضافة لمشروع خاص لدعم ونشر كتابات إبداعية ونقدية وأعمال بصرية رقمية، تحتفل بأفكار ومشاريع التغيير في المنطقة العربية وتستلهم من السنوات العشرة الماضية".

*يذكر أن المؤسسة دعمت منذ تأسيسها 78باحثة وباحثاً، و82 فنانة وفناناً عبر برامج بناء قدرات ومنح صغيرة ومتوسطة الحجم خصصت للبحث الثقافي/الاجتماعي والإنتاج الفني (الكتابة الإبداعية، المسرح، السينما، الفنون الأدائية، الفن التشكيلي ...) كما دُعم 27 مشروعاً تناقش الفنون والتغيير المجتمعي، وأضافت إليها من العام الماضي دعم الدراسة الأكاديمية في مجالات الفنون اذ قُدمت منح مادية لثمانية طالبات وطلاب لاستكمال دراساتهم الأكاديمية. ركزت البرامج على الفئات المهمشة وأعطت حصة للبرامج المعنية بمواكبة التحولات الاجتماعية والثقافية التي حصلت في مجتمعات اللجوء.

للإطلاع على تفاصيل البرامج يرجى زيارة موقع المؤسسة على الشبكة: https://www.ettijahat.org/

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها