الخميس 2020/04/23

آخر تحديث: 14:16 (بيروت)

خطيئة مروان حمادة الثانية

الخميس 2020/04/23
خطيئة مروان حمادة الثانية
مازن حرفوش لدى إلقاء القبض عليه
increase حجم الخط decrease

المؤكد أن "جريمة شرف" مصطلح مقيت، يربط حياة بشرية، لا سيما حيوات النساء، بـ"شرف" الرجل، كأنما يحلل له فورة دمه وإقدامه على القتل غسلاً لـ"عار" ما. والمؤكد أيضاً أن المصطلح ازداد وطأة، بعدما سُحب من التداول القانوني والقضائي منذ العام 2011، أي بعدما ألغيت في لبنان الأسباب التخفيفية لعقوبة مرتكبي هذا النوع من الجرائم. في حين أنه قبل ذلك، كان حتى محامي الدفاع عن الضحايا وذويهم يقول "أترافع في قضية جريمة شرف" للإشارة إلى تحصيل المهدورة حقوقهم بسبب التشريع التخفيفي والرجعي السابق على التعديل، وبالتالي نقض المفهوم والقانون من داخلهما... والكتّاب الإبداعيون والباحثون ما زالوا يقولون "جريمة شرف" حينما يعملون على حالة موجودة، مخزونها الشعبي لم يُلغَ كله بتعديل القانون. والحال، فإن مَن يستخدم هذا المصطلح اليوم، ينبشه، على الأرجح، من موروث ثقافي واجتماعي، أو ربما لا ينبشه، لأنه ما زال، في بيئات تقليدية أو محافظة، متداولاً بمعناه القديم.

التصريح الذي أدلى به النائب مروان حمادة، بشأن الجريمة المروعة التي تعيش بعقلين تداعياتها وكوابيسها، منذ الثلاثاء، أشعل رأياً عاماً بعقلينياً ولبنانياً، وأنتج هجوماً نارياً في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الهجوم لم يكن كله من نوع واحد، بل انقسم نوعين أساسيين: أحدهما غاضب من استخدام المصطلح بالمطلق، على اعتبار أنه ما عاد جائزاً أو مقبولاً الاستمرار في رمي كلمتَي جريمة وشرف، تكريساً، من دون رفّة جفن، بغض النظر عن ملابسات الجريمة (التي بدأت تتضح وتقترب من "جريمة اللا شرف" كما يحب أصوليو اللغة السليمة القول، وتُقارب أيضاً عنف الثأر والاختلال العقلي). وثار هؤلاء الغاضبون إذ صدر التعبير عن نائب المنطقة، وهو محامٍ ومُشرّع في البرلمان اللبناني منذ عقود، وبالتالي خبير ومسؤول عما يتلفظ به، ولا تُغتفر له مقولته لأنها تنطوي على قدر من التبرير للجاني، سواء قصَدَ القائل ذلك أم لم يقصد، وسواء كان هذا هو حافز القتل أم لم يكن.

أما النوع الثاني من الغاضبين، فهؤلاء هم الذين استنكروا استباق حمادة، من موقعه كمسؤول محلي، لجلاء التحقيقات، وتسرعه في "الحكم" بما خدش سمعة الزوجة الضحية وذويها، وفتح المجال للشائعات، لا سيما أنها تتحدر من عائلة متدينة ومحافظة، وهي نفسها متدينة، متسائلين عما إذا كان هدف النائب حمادة الإسراع في درء مقولة "جريمة تستهدف السوريين" أو غيرها. كما استهجنوا استسهال وضع "أخلاق" الضحية في دائرة الشكّ، قبل أن تسفر التحقيقات الرسمية عن معلومات جدية. وجاء الردّ ردَّين: في نَصّ بيان النعي للضحية منال تيماني، والذي رفض واستنكر أي اتهام بحقها "لأنها أشرف من كل ما قيل ويقال عنها"، وتذييل النعي بتوقيع عائلتها، إضافة إلى "خلوة مشيخة عقل آل حمادة في بعقلين" التي كانت ترتادها منال. إضافة إلى إعلان عائلتي تيماني وحرفوش، تأبين المغدورَين من عائلتيهما معاً، الزوجة منال تيماني، وكريم حرفوش، شقيق الزوج المعتقل الآن مازن حرفوش. وكريم من ضحايا المجزرة نفسها التي سقط فيها سبعة آخرون، خمسة منهم سوريون، واثنان لبنانيان من عرسال.. إضافة إلى الشقيق الآخر لمازن، فوزي، والذي اعترف مازن بقتله بعد إلقاء القبض عليه.  

وإذا كان النوع الثاني من المحتجين يقف على تربة منطقية واجتماعية وقانونية صلبة، فإن النوع الأول، رغم حسن النوايا، بات ممثلاً لموجة تزداد ضراوة في تنصيب نفسها "شرطة الكلام"، أن "قُل.. ولا تقُل"، وإلا فالحملة الشعواء. فاللفظة ومحمولها هما هنا الموضوع الأول.

في حين أنه من المفاعيل الأساس لهجمة المتشددين في الصواب السياسي واللفظي، أنها حرفت الطاقة التضامنية مع ضحايا المجزرة، وحتى تدفق المعلومات، إلى مسار إلهائي عن معطيات حيوية في القضية: سوريون يُعدمون في لبنان، مجزرة درزية-درزية، وقتيلان سُنّيان من عرسال في منطقة درزية.. وهذه في بلد مثل لبنان، مقوّمات حرب.. ناهيك عن أنه قُتل، مع منال، ستة رجال، عمّال، أي مهمشين أيضاً، وأجانب، أي ضعفاء أيضاً، وطفلان كانا مذعورين ومختبئين مُتعانِقَين. كل هذا دُفع جانباً، وانصبّت أضواء الشجب "الصوابي"، على استخدام مصطلح "جريمة شرف" من قبل نائب ثمانيني تقليدي ليس غريباً جداً ألا يفكّر كثيراً قبل التفوه به، ولو كان مُشرِّعاً مكرّساً (ولماذا لم تُناقش هنا مثلاً العقد الكثيرة التي تحول دون ضخّ دم جديد، من حيث العمر والوعي والخطاب، في التمثيل السياسي؟ ولم يُطرح سؤال لماذا وكيف ما زال حمادة نائباً ممثلاً لأهالي بعقلين؟). كما أنه ليس غريباً ألا يفكر هذا النائب كثيراً قبل التفوّه بالمصطلح وهو يخاطب مجتمعه الأهلي والتقليدي والذي يدور مصطلح مثل هذا في جلسات بيوته ومَضافاته بشكل طبيعي، على الأقل وبالحد الأدنى، باعتباره توصيفاً لنوع من الجرائم، من دون تبنٍّ بالضرورة لمنظومته القيميّة والأخلاقية، وباعتبارها الجريمة كما سوّغ مقترفها لنفسه اقترافها.

والتفريع يكمل: فلَو قال حمادة "لأسباب عائلية أو شخصية"، وثبُت في ما بعد أن قاتل منال هو زوجها، ولأسباب تتعلق بالشك أو الغيرة، بالثأر أو الاختلال العقلي، ما الذي كان ليتغير؟ أليست المشكلة في مكان أعمق من العجز عن استخدام المصطلح النظيف؟ وبما أن القانون تعدّل، فأي تكريس يخشاه ويقاتله حرّاس الكلمات؟ الثقافي؟ ضمن بيئة الجريمة أم أكبر؟ وأي حامل يختارونه لأي رسالة ولمَن؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها