الثلاثاء 2020/03/31

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

عن مقولة "كل شيء ينتهي"

الثلاثاء 2020/03/31
عن مقولة "كل شيء ينتهي"
increase حجم الخط decrease
ثمة مقولة تنتشر الآن، بموازاة انتشار فيروس كورونا، ومفادها أن "كل شيء ينتهي"، و"كل شيء"، هو العالم، أو الرأسمالية، أو الحياة حتى. تحظى هذه المقولة بوقعٍ، تستمده من الحجر المنزلي، ومن دعاية "الحرب الصحية"، وقبلهما، من الإنباء المتواصل بارتفاع معدل الإصابات بالفيروس إياه، والموت لاحقاً بسببه.

لكن هذه المقولة لا تنم عن الظرف الحالي، إنما كانت ذائعة من قبله، بحيث من المعلوم أن النهاية، إعلانها، والتشديد على وصولها، صارت من الخطاب العام، أي، وبعبارة واحدة، من حواشي الخطاب الميديوي. مردّ ذلك، أنها، فعلياً، من صنيعة الطبقة الوسطى، كما أنها موجهة إليها، بحيث أنها تصدر عنها، وتحط فيها، وبين الفعلين، تشغلها.

فنافل التذكير أن الفرد من تلك الطبقة، وفي حين تعلقه بما يسمى الاستقرار، الذي يرادف رجاء استهلاكه، ودوامه على استهلاكه، يذهب فيه إلى حد أخير، هو حد عدمي. وعلى هذا الحد، يردد مقولة بعينها، تكون بمثابة مواله، الذي يصوغ عيشه ومقالبه: "لا شيء يحدث". بالإستناد إلى هذا الموال، يبقي الفرد اياه على رجائه، ويبقى داخله، بالتوازي مع القضاء على كل حدث من الأحداث، لأنه، وببساطة، يؤكد له البديهي، وهو أن رجاءه ليس آخر الأرجاء، بل أن له آخر. وهذا، مهما نكر هذه الحقيقة، أو بالأحرى كلما نكرها.

بالطبع، لا يتألف ذلك الموال على أساس إيقاف كل الأحداث فحسب، بل، وأيضاً، على أساس الاستمرار في ضخ أحداث متفرقة- أخبار، صور، قصص إلخ.- من دون أن تكون أحداثاً. فهناك أحداث فاعلة، يعمد النظام، الذي يحكم وينتج الفرد إياه، إلى نفيها، لكي يرمم رجاءه بعد تزلزله في إثرها، وهذا، عبر تصفيحها بأحداث باطلة، يبثها هذا النظام، ويكثر من بثها، لكي ينبئ فرده بأن ثمة ما يحصل في الرجاء نفسه. بهذه الطريقة، تتساوى الأحداث الفاعلة، من ناحية نفيها، مع الأحداث الباطلة، من ناحية وقوعها، وفي الحالتين، لا تؤدي سوى إلى ترسيخ الرجاء، والاعتقال داخله. على هذا النحو، وحين يردد الفرد مواله، أي "لا شيء يحدث"، فهو يتكلم عن الأحداث الباطلة، عن كونها، في الواقع، لا تحدث، لكنه سرعان ما يمدّ مواله على كل الأحداث: كل الأحداث عاطلة عن العمل.

لقد كان ملاحظاً أن الخطاب الميديوي قد باشر، ومنذ فترة، في تحويل النهاية إلى حدث، يتوجه به إلى ذلك الفرد، وبهذا، كان يبدو، وفي لحظة ما، كأنه يلعب ورقته الأخيرة معه. فبالتوازي مع كونه يقنعه بأن "لا شيء يحدث"، لا بد له أن يستمر في اقناعه بالعكس، أي أن شيئاً يحدث، من أجل أن يظل قابضاً عليه. من هنا، الحدث الوحيد، الذي في مقدوره أن يصرفه من موال "لا شيء يحدث"، هو النهاية، نهاية كل شيء. فيقدم الخطاب هذه النهاية كحدث باطل، أي كموضوع لاستهلاك الفرد، متيحاً له أن "يعيش النهاية"، وفي الوقت نفسه، يبقى في منأى عنها، أن "يعيشها"، وفي الوقت نفسه، يستنزفها، أن "يعيشها"، وفي الوقت نفسه، يتحكم فيها، تماماً كالرسائل التي تصله عن كون العالم على شفير الانهيار، وما عليه سوى التبرع هنا وهناك كي لا يحدث ذلك.

من هنا، وحين يستقبل الفرد آثار الكورونا، بوصفها علامات على أن "كل شيء ينتهي"، يواصل الارتكاز على آلية خطابه ذاته، وهي أن يجعل من الفيروس حدثاً يكون نقيض اعتقاده بكون "لا شيء يحدث". لكن هذا لا يعني أنه يريد حدثاً، بل يريد حدثاً باطلاً، بحيث أنه يستهلكه، وفي عقب ذلك، يقضي عليه. فيحتفل بالنهاية حتى إطاحتها، حتى العودة من جديد إلى الحد الأخير، أي حد "لا شيء يحدث". فهذا الفرد لا يبغي حدثاً يجعله يغادر رجاءه، إنما أن يجمده فيه، إنه لا يبغي حدثاً البتة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها