الأحد 2020/03/29

آخر تحديث: 09:25 (بيروت)

منى وفيق لـ"المدن": كورونا تكفلت ووفت بتقديم وكتابة نفسها

الأحد 2020/03/29
منى وفيق لـ"المدن": كورونا تكفلت ووفت بتقديم وكتابة نفسها
منى وفيق
increase حجم الخط decrease
اليوم هو الثالث عشر من أيام الحجر الصحي، الذي فَرضْتُه على نفسي ابتداءً حتى لا أتسبب بأي عدوى لأحد أفراد عائلتي. لستُ شخصاً بيتوتياً بالمرة، بل إنني من نوع الأشخاص الذي قد يغير مكانه في مقهى مثلا لأكثر من 3 مرات، لكنني أتجاهل ما استطعتُ الاختناق الذي أشعر به بسبب مكوثي في البيت ولأول مرة في حياتي لكل هذه المدة (312 ساعة). ذلك أهون بكثير من إحساسي بالذنب لو نقلتُ العدوى لمن أحبّهم، لا قدر الله. أقضي وقتي بين قراءة الشعر وتنقيح بعض نصوص ديواني المقبل وبين الأكل والطبخ ومتابعة أفلام آكشن بدون جرعات رومانسية ومسلسلات أجنبية مختلفة، أشاهد منها فقط الحلقة الأولى والأخيرة وفيديوهات تتراوح بين السخيفة والمفيدة والمضحكة. أحتاج إلى أن تُذهِب البطنةُ الفطنة لهذا آكل بشراهة، وأحاول الاستمتاع ما أمكن بحياة قليلة عبر تفسير أحداثها بيني وبين نفسي لخمس دقائق في اليوم.

في الحقيقة أحيانا كثيرة، وفي ظل كل ما يحصل، أنخرط في نوبات ضحك فجائية حتّى أنني أطلق ضحكات رقيعة بدون مناسبة. نعم إنه استخفاف معتاد واستهانة حقيقية من شخص مثلي، لم يعد من زمن طويل يُقدر لا الحياة ولا الموت. لا أخاف من شيء غير الإحساس بالألم على من أحبهم أولئك الذين حاولت أكثر من مرة أن أقطع علاقتي تماماً بهم، حتى لا أتعب لا بهم ولا لأجلهم، وفشلت، حتى "كورونا" لم ينجح في جعلي أفعل. أضحك كثيراً وبصدق عندما أسمع من أصدقاء ومعارف، عما استفادوه من مرحلة كورونا من الجلوس أخيرا إلى أحبائهم، والتمتع بهم ومراجعة حياتهم وأخطائهم الخ. كورونا لم تضف ولم تنقص من حياتي السابقة شيئاً سوى حرماني من الخروج إلى مقهاي المفضّل، وأمور أخرى صغيرة جدا.. هل أنا شخص عبثي وعدمي. ما أعرفه أنني قويّة من باب اللعب. كل شيء بالنسبة إلي فعليا لَعب. لكن لعبة فيروس كورونا مملة. لا أحب أفلام الخيال العلمي ولا أتذكر إلا سلسلة "إكس فايلز" هي الوحيدة التي تابعتها وأنا طفلة، قبل أن أجد نفسي مجبرة على متابعة سلسلة كورونا...

ما يحدث صادم ومباغت وسريع. أتغافل عن فكرة تَلَمُسِ الحُفر التي تناوشني من حين لآخر وأركض منها في غير ما اتجاه، أشعر بالامتنان لكل الشرفات في العالم لأنها تساعدنا على إطلاق شهقاتنا. أرجو أن لا يتأخر اليوم الذي نفتح فيه أبواب بيوتنا ونخرج لننتقم بحياة صاخبة ومجنونة من كل هذا الجنون.

لا مشكلة عندي بخصوص كورونا، فأنا شخص يستمتع بالدراما وبكل ما يضيف بهارات حراقة لأي حياة روتينية...

إنني شخص لا يطيق الانتظار، أحب التخلّص سريعاً... فلتكن إما نهاية العالم أو نهاية كورونا!

لدي قلب ضعيف حقا. أتحاشى قراءة أعداد الموتى بسبب كورونا في كل مكان.. كأنه حلم بشع بل إنها لعبة قاسية لم أصادفها في "أتاري" ولا "بلاي ستيشن"ولا "الموبايل". لعبة ليس بها 
Game over لكننا سنعيش وننجو ونضحك لاحقا من كل ما يحصل، وسنلعن بالتأكيد وسننشغل بلعنة كل من سيخرجون بإنتاجات وإبداعات عن كورونا. ولهؤلاء أقول كورونا تكفلت ووفت بتقديم وكتابة نفسها، بشكل دموي وقاس وغير مسبوق وحققت أعلى تريند في التاريخ، ولا أحد سينجح أو يبهر في تقديمها أو التبرك بصيتها اللامنسي البائس.. سنعيش لننسى لا لنتذكر فهذا ألم لا بدّ أن يأخذك إلى النسيان.

(*)شهادة روتها لـ"المدن" القاصة والشاعرة المغربية منى وفيق، عن يومياتها مع الكورونا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها