السبت 2020/03/28

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

الأدباء أبناء العزلة: بهذه الكتب والأفلام نملأ قوقعة كورونا

السبت 2020/03/28
الأدباء أبناء العزلة: بهذه الكتب والأفلام نملأ قوقعة كورونا
قراءة
increase حجم الخط decrease
يوميات الثبات..
أن يتحول كل منا إلى جزيرة. أن ننفصل كما انفصلت البرتغال في الطوف الحجري.
أن يصبح كل ما حولنا خطراً وشيكاً. ونصبح ممسوسين خائفين من الاقتراب من بعضنا بعضا. أن نتحول إلى كائنات فزعة، خائفة، ثابتة في أماكنها. صارت هذه أبرز سمات هذه الأيام التي نقطعها في ترقب خائف، معركة البشرية الأخيرة مع الشبح. بينما هو يسجل يومياً انتصاراته بأعداد الوفيات التي تسقط من صفوفنا. نسجل في دفاترنا يوميات الثبات والسكون في الموضع. صمت الشوارع الخالية. نسجل يومياتنا عن أيام باتت كلها نسخة واحدة.. فلم تعد أسماء الأيام تشكل فارقاً. الآن صار لدينا يوم واحد. وبتنا لا نحتاج باقي أيام الأسبوع. كل الخطط ألغيت. لم تعد هناك حاجة لضبط الوقت. ولم تعد هناك حاجة لانتظار ساعة تمضي، وقدوم ساعة أخرى. فلا شيء سيحدث. نحن هنا الآن في اللحظة الساكنة الوحيدة. لحظة بلا مواعيد. لحظة بلا خطط منتظر تحقيقها. لحظة مماثلة للماضي. لحظة ميتة تماماً كالمستقبل الذي بتنا نتحدث عنه بسخرية مريرة.

نفدت المطهرات من الصيدليات. نفدت الكمامات. مواقع التسوق الإلكترونية تعرض أقنعة بأسعار فلكية، عُلقت الصلوات، الشرطة تنتشر لغلق الشوارع، والمحال، العالم كله صار قرية واحدة كما كانوا يقولون دائماً، لكنه قرية متقطعة الأوصال. تتشابه إجراءات مواجهة الكورونا في مصر، مع أوروبا، كما في أميركا. تدرك الإنسانية في النهاية أنه بات عليها التوحد للنجاة، يقاتل ابناؤها في جماعات منعزلة باستخدام الإجراءات نفسها للحفاظ على بقائهم وهم يحاذرون لمس الأشياء.

ماذا يفعل الأدباء؟ أبناء العزلة. الذين لا ينتجون إلا في ظلالها. ماذا يقرأون، وماذا يشاهدون؟ هل يسيطر الهلع على نفوسهم، ككاتب هذه السطور. أم اخترعوا وسائل لترويض الخوف ومواجهته.

خاطبتُ بعض زملائي الكتّاب في شتى أنحاء الأرض. في مصر وأميركا وألمانيا.. واقترحتُ عليهم أن يدونوا لـ"المدن" ما يفعلونه، وما يقرأونه في يوميات السكون.


الروائي المصري طلال فيصل المقيم بألمانيا: حياتي العادية.. كابوس الآخرين
لم يكن جديداً بالنسبة إلي أن أعرف أني شخص منطوٍ، هذه حقيقة قيلت حتى صار تكرارها بلا معنى، أن الكتّاب أو الفنانين – في الغالب ومن دون تعميم – أشخاص انطوائيون، أنشطتهم المفضلة أنشطة يقوم بها المرء منفرداً، مثل القراءة أو مشاهدة الأفلام أو سماع الموسيقى أو المشي، ثم الكتابة، في حالة الكتاب، أو عموما إنتاج الفن الذي اختاره كل لنفسه. لا جديد في ذلك، وهو يبدو منطقياً، فالشخص الذي يقرر أن يترك المشاركة الفعلية في الحياة، مفضلاً مراقبتها وتدوين مراقبته تلك، يبدأ من انطوائيته وعزلته ليصل وينتهي إلى الخلق الفني والإبداع. الجديد بالنسبة إلي أن هذه الحياة التي أحياها، مثل كثير من الفنانين، هي بالنسبة للآخرين كابوس لا يحتمل.

الأحاديث اليومية الدائرة هي ماذا سنفعل بالوقت؟ ماذا سيفعل بنا؟ كيف نتعامل مع حبسة البيت؟ هل ستطول؟ وإن طالت كيف نتفادى الجنون! تساؤلات مطروحة تثير مشاعر السخرية أو الأسى وأحياناً تدفعك لمحاولة التفهم، التساؤل الذي طرحه الكاتب مارسيل بروست قبل ذلك – وهو شخص قضى نصف حياته تقريباً منفرداً في سريره "لماذا يخشى الإنسان قضاء الوقت مع نفسه؟" رغم ذلك، حتى وإن لم يتغير نمط حياتي بشكل عام، إلا أن تغييراً ما طرأ على اختيارات القراءة الآن: كنت بدأت من أول العام مشروع قراءة شكسبير كاملاً وبشكل أكثر جدية، لأدرك بشكل أعمق سر بقاء الرجل كل هذه القرون مقروءاً ومشاهداً، ثم انفجرت أزمة الكورونا فابتلعت كل شيء وكل اهتمام وكل حوار. وضعت لائحة بأعمال عديدة متعلقة بالأوبئة، بادئا بـطاعون ألبير كامو، والذي تقرأه الآن في ضوء العزلة المفروضة بعين جديدة، كذلك ديكاميرون بوكاشيو، حيث يفرض الوباء على عشرة أشخاص العزلة، فيتبادلون الحكايات في ما بينهم تزجية للوقت. وجدت كذلك حالة الهلع العامة مناسبة تماماً لمزيد من القراءة عن الخوف واضطراباته، وعن الكلمة التي نحتها فرويد في اللغة الألمانية نحتاً جديداً، Angst  لتصير عنوانا على القلق في صورته المرَضية. وأخيراً، كتاب لا علاقة له بعزلة ولا خوف ولا أوبئة، لكن لأنه الكتاب الجديد لأحد كتّابي المفضلين؛ جوليان بارنز، الرجل ذو المعطف الأحمر، وهو كتاب يزعم غلافه أنه عن جراح فرنسي يدعى صامويل بوتسي، من آباء جراحة النساء والتوليد، لكنه في حقيقة الأمر كتاب ساحر الأسلوب عن كل شيء وعن لا شيء، يترك فيه الكاتب والروائي بارنز لقلمه الحرية فيستطرد كيفما اتفق بلا موضوع محدد، وهو ناثر لا مثيل له، يحتفظ باهتمامك حتى وإن كنت لا تعرف عم يتحدث بالضبط.

المترجم المصري سمير جريس المقيم في ألمانيا: الترجمة في زمن الكورونا
"نفعل ما يفعل السجناء / و ما يفعل العاطلون عن العمل: / نربي الأمل".
هذه الكلمات لمحمود درويش تلخص حالتي الآن بعد الانتشار المقلق للفيروس في البلد الذي أعيش فيه، ألمانيا، وبعد أرقام الموتى المفزعة التي تطالعنا بها الأنباء في كل يوم من دول الجوار، لا سيما من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

أحاول ألا أسمح للهلع والخوف، وأحياناً الهيستيريا، أن تصيبني بحالة من الشلل. نعم، آخذ احتياطاتي قدر الإمكان، لكني لا أريد أن أعيش سجين خوفي من الفيروس. الآن، وبعد شبه حظر التجول الذي فُرض في كل ألمانيا، لا يتبقى لنا غير أن "نربي الأمل".

توقفتُ عن الذهاب إلى عملي بعد السماح لنا بإنجاز الأشغال من البيت. وما بين متابعة أخبار انتشار الفيروس، وبين إنجاز ما عليّ من أعمال، لا يتبقى سوى وقت قليل للقراءة. أطالع حالياً مسودة ترجمة قام بها الصديق أحمد فاروق لنوفيلا أخرى، للكاتب النمساوي أرتور شنيتسلر، الذي ترجمتُ له نوفيلا "حلم". النوفيلا الجديدة بعنوان "مجد متأخر"، وتدور حول شاعر هَرِم اكتشفته فجأة مجموعة أدبية شابة، فظن أنه سيحصل في خريف عمره على المجد الذي لم يعرفه شاباً. كما أقرأ رواية "الأعراف" للروائي محمد علاء الدين والصادرة حديثا عن دار نوفل.

وأواصل العمل على مشروعي الجديد، وهو ترجمة رواية "شتيلر" للكاتب السويسري ماكس فريش. هذه الرواية مؤسِّسة في الأدب الألماني، وتعتبر من أهم أعمال الكاتب ومن أبرز الروايات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية. ولعلها المرة الأولى التي أسأل فيها نفسي خلال الترجمة: هل سأعيش حتى أتمّ ترجمة هذه الرواية الضخمة؟ وهل سأراها بعد صدورها؟
ورغم تشتت الذهن، ورغم الأخبار المقلقة، أربي الأمل، وأواصل العمل.

الروائية المصرية منصورة عز الدين: العودة إلى "الفتوحات المكّية" وأفلام الأربعينيات 
ما نشهده حاليًا لم يحدث أن مررت بما يشبهه، كأننا نعيش على حافة الوجود حرفيًا. لا يتغلغل الفيروس في الأجساد فقط ليدمرها، لكنه يدمر معها مسلّماتنا وعالمنا كما ألفناه. هو مرآة تعكس أمراضنا وسَوْءاتنا، لكن في مقدوره أن يدلنا بالمثل على أفضل ما فينا في حالة إعلاء قيم مثل التكافل والتضامن والوعي بأن نجاتنا مرتبطة بنجاة الآخرين.

ما يحدث، مع كل ما يحمله من تهديدات ومخاطر، فرصة للنظر إلى العالم من وجهة نظر الطبيعة، التي كثيرًا ما نؤذيها ونخل بتوازنها، كما لو كنا نحن الفيروس الضار. أتمنى أن تنكشف هذه الغُمَّة عن العالم، وأن نستوعب دروسها المفيدة فنعيد ترتيب أولوياتنا ونتعلم الامتنان على نِعم كثيرة اعتدنا التعامل معها بلا اكتراث أو انتباه.

منذ شهر تقريبًا لم أفعل شيئًا باستثناء متابعة مجريات انتشار كورونا في العالم والقراءة عنه. ألغيت ارتباطات كثيرة كانت مجدولة منذ أشهر وامتنعت عن الخروج من المنزل، وأحاول أن أعيش اليوم بيومه بعيدًا من التوتر أو القلق، لكن بما أن المسألة قد تطول وفقًا لتوقعات الخبراء، فسوف أسعى للعودة إلى برنامجي المعتاد في ما يخص القراءة والكتابة، مع التركيز على القراءات الممنهجة إما في موضوعات بعينها أو لأعمال ضخمة تتطلب متسعًا من الوقت.

لاحظت أن كثيرين يقترحون قراءة كتب خاصة بالأوبئة أو روايات ديستوبيا أو مشاهدة أفلام عن نهاية العالم وما إلى ذلك، بالنسبة إلي أفضّل البعد عن هذه النوعية من الكتب والأفلام في الفترة الحالية، فالعالم أصبح ديستوبيًا بما لا يُقارَن. اختياراتي في الأفلام حاليًا تركز على الكوميديا أو الأفلام الاستعراضية من الأربعينيات والخمسينيات، وفي الكتب ربما أعيد قراءة "لعبة الحجلة" لكورتاثار أو "الجبل السحري" لتوماس مان، أو أبدأ بقراءة "الفتوحات المكية" لابن عربي.


الروائية اللبنانية جنى الحسن المقيمة في أميركا: أرتب أفكاري وأقرأ "روث" 
أحاول أن أستغل هذه الفترة لإعادة ترتيب أفكاري وما يشغلني عن العمل هو ترجمتي حاليًا لرواية مميزة لكاتبة من كينيا.

 يمكنني التركيز أكثر في الترجمة الآن، إذ لم أقرأ كثيراً في الفترة الأخيرة بسبب انشغالي في العمل لكنني أنوي قراءة أعمال زملاء عديدين صدرت كتبهم حديثاً، وأنوي كذلك إعادة قراءة بعض أعمال الكاتب الأميركي فيليب روث. الأفلام التي أشاهدها متنوعة وليست مرتبطة بلائحة أعددتها، على قدر ما هي مرتبطة بمزاجي. أحيانًا أبحث عن أفلام معقدة، وأحيانًا كل ما أريده هو أن أشاهد فيلمًا خفيفًا أو كوميديًا كي لا أفكر بأي شيء.

الروائي اليمَني وجدي الأهدل: إعادة قراءة شكسبير 
هذا البقاء الاضطراري في البيت جعلني أُعيد النظر في مشاريعي المؤجلة، ومنها إعادة قراءة مسرحيات وليم شكسبير. قرأت أعمال هذا المؤلف المسرحي العبقري في المرحلة الجامعية، وانطباعي عنه في تلك السنوات المبكرة أنه مؤلف عادي، ولا يستحق ذرة من ألقاب العظمة التي تُكال له! لكن قراءتي له الآن هي اكتشاف لجماليات لم أكن واعياً لها في سنوات الشباب، ولأنني خضتُ تجربة التأليف المسرحي، فإنني أُقدِّر المهارة غير العادية التي تميز بها شكسبير في رسم الشخصيات، والقدرة الفذة على المناورة الدرامية في منطقة محدودة جداً هي خشبة المسرح.

لدي أسبابي الخاصة التي تدفعني لإعادة قراءة مسرحيات شكسبير: ثمة حكاية شعبية يمنية من التراث الشفوي تتطابق أحداثها مع أحداث مسرحية "تاجر البندقية"! المفاجأة أن الحبكة الدرامية في القصة الشعبية اليمنية أكثر إحكاماً من حبكة مسرحية "تاجر البندقية".. ففي الحكاية الشعبية اليمنية بطلة القصة (فتنة) هي التي تنقذ بذكائها حبيبها الذي صار زوجها من شرط التاجر اليهودي، بينما في المسرحية الشكسبيرية لا تنقذ البطلة (بورشيا) حبيبها، بل صديق حبيبها، من "اليهودي" الجشع. والسؤال المهم هنا هو أيهما أقدم: الحكاية الشعبية اليمنية أم مسرحية شكسبير؟ وهذه ملاحظات لا تُقلل من شأن وليم شكسبير، فهو واحد من مبدعي السرديات الكبرى المتجاوزة للحدود الجغرافية والأزمنة، وهذا الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة عنه هو جزء بسيط من التقدير العالمي الذي يحظى به. كما أن إبداعه المسرحي ما زال مصدراً خصباً للسجال بين النقاد ودارسي الأدب في بريطانيا وأميركا وسائر الدول ذات الثقافة الإنغلوفونية.

في مسرحية "العبرة بالنهاية" لاحظ العديد من نقاد الأدب أن حبكتها شرقية، وشبه مستنسخة من حبكات كتاب "ألف ليلة وليلة". لكن هذا الكتاب الشرقي النفيس، لم يترجم للغة الإنكليزية إلا في العام 1706، أيّ بعد وفاة وليم شكسبير بتسعين عاماً، فكيف يمكن اتهامه بالتأثر بكتاب لم يكن في متناوله الاطلاع عليه؟ التفسير المنطقي هو أن تأثير ألف ليلة وليلة، وصل إليه عبر وسيط، هو الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو(1313- 1375) مؤلف قصص الديكاميرون، وهي القصص التي تحمل تأثراً أوضح بألف ليلة وليلة. هذه متاهة، لكنها جيدة في ليالي الحجر الصحي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها