الجمعة 2020/03/27

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

نزار آغري لـ"المدن": كأني ولدتُ تواً.. بذاكرة مليئة

الجمعة 2020/03/27
نزار آغري لـ"المدن": كأني ولدتُ تواً.. بذاكرة مليئة
كورونا: أن يتوقف كل شيء حولك، كأنك في غابة غير مأهولة، تتكيّف مع متطلبات العيش فيها
increase حجم الخط decrease
(*) لم تغير إطلالة الكورونا، شيئاً كثيراً من سلوكي اليومي. 
بقيت على ما أنا عليه في قوقعة ذاتي، أقرأ لنفسي وأكتب لنفسي وأعقد حوارارت مع نفسي.  
حتى الآن، لم أكن أعبأ بما ما كان عليه الأمر خارج ملاذي الآمن. صخب وجلبة وحركة، ولم أكن أبالي. ثم انتبهت فجأة إلى أن السكون غطى على كل شيء. بدا الأمر كما لو أن يداً عملاقة ضغطت على زر السكون في جهاز تشغيل الحياة فتوقف كل شيء عن الحركة. وعرفت أن السيدة كورونا اعتلت المسرح وهرب الجميع، الممثلون والجمهور على السواء. هرب الكل من الكل. لاذوا بزوايا بيوتهم. تغير إيقاع الحياة.
 
أن يتوقف كل شيء من حولك، يمنحك الإحساس بأنك في غابة غير مأهولة وعليك أن تتكيف مع متطلبات العيش فيها. أنت روبنسون كروزو جديد. أمامك فيض هائل من المكان والزمان، وعليك أن تملأهما.

ينتابك إحساس بأنك ولدت تواً، لكن بذاكرة مليئة. عليك أن تفرغ هذه الذاكرة مما تراكم فيها من أشياء كنت تود أن تمحوها. الآن عليك أن تتخلص منها وتبقي فقط على ما هو عزيز. 
أستعيد اللحظات التي تمنيت لو أنها امتدت في حياتي الماضية. هناك مشاهد بحاجة إلى إعادة ترميم، وكتب بحاجة إلى قراءة جديدة، وأفلام حان الوقت لأن أشاهدها مرة أخرى.

أعود إلى الكلاسيكيات. أمامي الأعمال الكاملة لإدغار آلان بو، التي بقيت أحملها معي منذ سنين ولم أكن أجد الوقت لقراءتها. ها قد حانت اللحظة. ثم ها هي الكتابات التي حين سأقرأها الآن، سأعيش من جديد تلك السنين التي انصرمت، فتى وشاباً في البيت والمدرسة والجامعة: سأقرأ دون كيخوته وآنا كارنينا ومرتفعات وذرينغ وخان الخليلي والأيام وأرخص ليالي. سأعيد قراءة المنفلوطي: ماجدولين والعبرات وفي سبيل التاج.

في الليل أشاهد الأفلام التي سبق أن شاهدتها وعبأت ذاكرتي من مشاهدها ومما رافقها من طعم العمر الطري آنذاك. أعيد مشاهدة أفلام لي فان كليف وجوليانو جيما وفريد شوقي وعادل أدهم. أعيد سماع أغان ساهمت في صياغة عالمي: بي جيز وباكارا وألفيس بريسلي وفرانك سيناترا وآبا وأم كلثوم وفريد الأطرش.

صباحاً، أنهض وأمضي للسير، وحيداً طبعاً، إلى الساحل الخالي ومنه إلى الغابة. إن رآني أحدهم أو رأيت أحداً، يميل كل بوجهه، وسيره، إلى جهة، مثل سلطعونين يتفاديان الاصطدام.

(*) شهادة رواها لـ"المدن" الروائي السوري الكردي، نزار آغري، عن يومياته مع الكورونا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها