الجمعة 2020/03/20

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

"ستاند آب كوميدي" للمعزولين في منازلهم.. نقد التفاؤل

الجمعة 2020/03/20
"ستاند آب كوميدي" للمعزولين في منازلهم.. نقد التفاؤل
increase حجم الخط decrease
خلال السنوات الماضية انتقل الـ"ستاند آب كوميدي" في لبنان إلى مرحلة أكثر احترافية. يعود ذلك إلى دخول شركة متخصصة هي "آكوارد" التي تمكنت من جذب المهتمين بالستاند آب من أنحاء لبنان، وإعطاء فرص لمواهب لم يتح سابقا لها الظهور أمام جمهور عريض.
 
في السابق، لم يكن الستاند آب، حاضراً سوى بشكل خجول في بيروت (بالإنكليزية بشكل غالب). فالحانات والأندية الليلية التي استقبلت العروض، فعلت ذلك بشكل مؤقت وبالإعتماد دائماً على مزاج صاحب الحانة. تصف "آكوارد" المشهد اللبناني أنه كان قبل مجيئها "منتهي الصلاحية" وهو ما ينطبق على العروض التي كنا نراها في الأندية الليلية، وطبعاً على الكوميديين التقليديين الذين قرروا التعدي على الستاند آب، مثل عادل كرم (نقلت تجربته منصة "نتفليكس" منذ سنتين)، وفادي رعيدي وماريو باسيل الذين تنتمي عروضهم إلى زمن التسعينات. تبقى هناك تجارب إيجابية، ظهرت من وقت إلى آخر، لكنها كانت تختفي بسرعة بسبب عدم وجود منصة تتبناها وعدم تمكنها من الإنتقال إلى التلفزيون. 

يبقى الإستثناء الوحيد الذي استطاع وحيداً تكريس نفسه في عالم الستاند آب، هو نمر أبو نصار، مع العلم ان لديه تجربة في الراديو ("ميكس إف إم") لبعض الوقت، لكنها ظلت منعزلة إلى حد ما عن مسيرته كفنان ستاند آب.

يذكر هنا أن هناك تجارب مسرحية لامست الستاند آب، بالإضافة إلى الذين انتقلوا إلى هذا العالم من السوشال ميديا، مثل أعضاء مجموعة "كويكيز" ( أنطوني حموي، جاد بوكرم ...) بالإضافة إلى آخرين جذبتهم "آكوارد" مثل شادن فقيه، ووسام كمال.
 
من جهة أخرى، يحسب لـ"آكوارد" أنها منذ البداية رفضت التركيز على اسماء المؤدين، وجعلت الناس تأتي لمشاهدة عروض الستاند آب من دون معرفة ما ينتظرها. نفعت هذه الإستراتيجية في البداية، قبل أن تتمكن الشركة من تكريس نجومها الذين أصبح لهم جمهور وبالتالي عروض منفردة تخصص لهم. اليوم لا تزال هذه الإستراتيجية متبعة جزئياً، بالإضافة إلى عروض الـ"Open mic"، حيث يستطيع اي شخص من الجمهور تلقف الميكروفون والمشاركة لمدة 5 دقائق، وتنظمها الشركة في حانات مختلفة، وليس فقط في مركز "كيد" (كرنتينا) الذي يستقبل العروض الأساسية.


أما اليوم، وبعد سنتين على انطلاقتها، تنتقل تجربة "آكوارد"، إلى مرحلة جديدة، حيث تقدم عروضها للمرة الأولى في الشاشة الصغيرة. تأتي هذه الخطوة بالتعاون مع منصة "سينموز" التي انتجت سلسلة من ست حلقات، خصصت كلاً منها لأحد نجوم "آكوارد". يبلغ طول الحلقة الواحدة، نصف الساعة، وهي تتكون من توثيق للعرض مع تعديلات طفيفة.

امتنعت الشركة سابقاً عن تصوير عروضها، والسبب الأساسي كان الرغبة في عدم مواجهة الرقابة التي ستفرض شروطها على العروض، بالإضافة إلى الخوف من أن تجعل الناس تعتمد على المشاهدة البصرية عوضاً عن المجيء إلى المسرح. طبعاً، العروض التي اشترت حقوقها "سينموز"، قُدمت عشرات المرات في السابق وتوقف اصحابها عن تقديمها اليوم، لذلك لا خوف من امتناع الناس عن القدوم إلى المسرح لمشاهدتها، كما أن قرار العرض في الشاشة أتى في وقت لا عروض فيه، بسبب قرار إغلاق الأندية الليلية مع انتشار فيروس كورونا، ما يصب في مصلحة الشركة التي استطاعت استغلال الإقفال، وطبعاً في مصلحة المشاهدين المعزولين في بيوتهم والذين لم تتح لهم مشاهدة العروض في بيروت سابقاً.
  
اختيرت الشخصيات الست، لتكون متنوعة ومختلفة عن بعضها البعض، إن كان من ناحية المحتوى أو الأسلوب الذي تعتمده. ويبقى المشترك بينها هو رغبتها في انتهاك كل ما هو عادي ومعتاد بالنسبة للمجتمع، وتنقلها بين المواضيع اليومية، ووجهات النظر النقدية تجاه الذات، العائلة، والمجتمع، بالإضافة إلى تناولها مواضيع سياسية ودينية وجنسية بلا خوف من المس بالتابوهات. 

اتخذت الشركة في الأساس إسم "آكوارد" لتدل على الوجهة العامة التي يتخذها كوميديوها: الكلمة في بالأصل  تدل على نوع من الكوميديا Awkward Comedy أو Cringe Comedy التي تركز على ما يسبب الإرتباك والإحراج في المجتمع ولا يمتلك الناس الجرأة للتكلم عنه، بالإضافة إلى تركيزها على الشخصيات المتوحدة والكارهة للتواصل الإجتماعي، كما نقد الظواهر الغريبة و السياقات التي تتسم بالجدية والرصانة المدعية التي يفرضها المجتمع على ابنائه. 


ومن أبرز المشاركين، شادن فقيه، التي عرفت منذ سنوات عبر أغنية ساخرة بعنوان "حسسني إني رخيصة"، انتقدت فيها يومها الموجة السائدة في الفيديو كليب. تمتلك الفقيه خطاباً ساخراً من التنميطات والمفاهيم الذكورية حول النساء والمتنوعين جندرياً، كما أنها لا توفر السلوكيات النسائية التي تقلل من شأن المرأة أو تتماهى مع الخطاب الذكوري السائد. تتحدث شادن بانفتاح عن الجنس عند المرأة والتابوهات التي يحاول اللاوعي الجمعي إخفاءها، كما تنتقد الثقافة السائدة وتمثيلاتها في التلفزيون والسينما، لا سيما تلك التي تساهم في خلق صورة وهمية وكاذبة عن الحياة الجنسية.

ينتمي جميع الكوميديين المشاركين إلى جيل واحد تقريباً (باستثناء شاكر أبو عبدلله)، كما أن وجهات نظرهم متشابهة من ناحية النقد الموجه لجيل أهلهم. كل من هرؤلاء الستة، يساهم بطريقته في تشويه الصور النمطية عن الأمهات والآباء. مثلاً، نور حجار يسخر من ميل أمه للإهتمام به بشكل مرضي، حسين قاووق يركز على الجانب القاسي من التربية التي اتبعها أبوه خلال طفولته، وشادن تسخر من عدم تقبل والدتها لمثليتها الجنسية. أما شاكر ابو عبدلله فيحاول جاهداً تخريب الصورة الرومانسية التي يمتلكها الأولاد عن أهلهم، من خلال تخيل سيناريوهات عن الطرق التي يمارسون بها الجنس في العادة.

بلا شك، يبقى شاكرأبو عبدلله، الأكثر سوادوية بين المشاركين الستة، يستثمر إحباطه وكرهه للحياة في نقد فلسفي لكل المظاهر الإيجابية – الإستهلاكية التي كرسها المجتمع خلال العقود الماضية: ثقافة اليوغا والطعام الصحي وحب الحياة، أو "إقتصاد التفاؤل" الذي يفرض سلوكيات من أجل تعزيز الإنتاجية والتطور المهني وإيجاد هدف سامٍ للحياة.

تدخل الطائفية في قاموس المشاركين جميعاً. شادن التي تتخيل "تيندر" لكل طائفة في لبنان، أو جون أشقر الذي يفضح القلق المسيحي من تكاثر عدد المسلمين، بالإضافة إلى نور حجار الذي يسخر من معاتبة أبيه له بسبب انتقاده السنة دوناً عن الطوائف الأخرى. طبعاً، تُعتبر التنميطات الطائفية طريقة سهلة لكسب ضحكات الجمهور، لكنها من ناحية أخرى طريقة للتحدث في مواضيع من غير المعتاد ان يتكلم عنها الناس كثيراً بشكل علني في لبنان، ويعتبر الستاند آب وسيلة للقيام بذلك بلا مشاكل وحساسيات.


من جهة أخرى، يبدو أن هناك سياسة عامة عند "آكوارد" لتعزيز النقد تجاه التابوهات الطائفية والسياسية، ما يبدو واضحاً في الجملة التي يستقبلك بها العرض If you are easily offended don’t come. من الناحية السياسية، ينتقد كل مشارك، الحزب الأقرب إلى ثقافته، ويظهر إجماع بشكل عام على انتقاد قوة "حزب الله" المبالغ فيها وقدرته على الوصول لأي شخص أينما كان، ما يظهر في نكتة نور حجار عن الدراجات الهوائية الـ"مفيّمة" التي أتت إلى منزله في هولندا بسبب حديثه عن الحزب في "فايسبوك"، ونكات آخرين تتحدث عن فائض القوة في الضاحية. طبعاً، لا ننسى هنا أن هذا النقد رغم سلبيته يمكن أن يصب في مصلحة الحزب أيضا لأن النكات تعزز الخوف منه، وتؤكد سلطته على المجال العام، بطريقة شبيهة للمسلسلات الكوميدية في سوريا، التي كانت تسمح بإظهار بطش رجال المخابرات أو امتلاكهم لهجة علوية لتعزيز الخوف منهم وتأكيد موقعهم السلطوي على المجتمع. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها