الجمعة 2020/03/13

آخر تحديث: 18:42 (بيروت)

خطة الإستهتار بالفيروس

الجمعة 2020/03/13
خطة الإستهتار بالفيروس
في بيروت: كمامة ونارجيلة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا يتوقف الهلعون من الكورونا عن إقذاع المستهترين به، بحيث يجدون أنهم "لا يتحملون مسؤولياتهم" حيال التوقي، ووقاية أغيارهم، من خطر الإصابة بالفيروس. على العكس، يواصلون عيشهم "كأن شيئاً لم يكن"، أي، وعلى عبارة لا دقة فيها، يلوذون بـ"النكران". إلا أن هذا الإقذاع، وفي إثر العنف فيه، يحمل على الاستفهام عن علته من دون اختزالها بكونها تتعلق بـ"الخوف على النفس" من انتشار الفيروس، بل بالوقوف على صلتها بموضوع مختلف: الدفاع عن المعتقد.


من الممكن تلخيص معتقد الهلعين على هذا الشكل: يعتقدون بالهلع، بضرورته، بفعاليته، التي ستودي إلى حمايتهم من قبل النظام الذي يحكمهم. وهذه الحماية، ترادف إبقاءه لهم في داخله، في عالمه. بالتالي، وحين يلتقون بمستهترين، أو بالأحرى يتلقون استهتارهم، يظهر لهم كأنه تشكيك في معتقدهم، أو كفر به، وعلى هذا النحو، يستندون إلى الإقذاع من أجل الشروع في الدفاع عنه. بعبارة أخرى، الهلعون، وبالإقذاع، يتّقون الإستهتار، بوصفه فيروساً سيصيب معتقدهم، ويقضي عليه، وبالإقذاع، يحمون هذا المعتقد منه، وطوال هذا كله، يعلنون لنظامهم أن ولاءهم لهم راسخ.

بالطبع، وبدلاً من أن يتهم الهلعون كل مستهتر من المستهترين بكونه، وعبر انعدام التزامه بهلعهم باعتباره إعلان ولاء لنظامهم، ولا يؤمن بمعتقدهم، بدلاً من هذا، يغيرون موضوع لا-ايمانه، ويجعلونه فيروس الكورونا نفسه. وبذلك، يصير المستهترون هم الذين لا يؤمنون بوجود هذا الفيروس. لكن، وعلى عكس دعاية الهلعين هذه، المستهترون يؤمنون بوجود الفيروس، ليس كقوة شريرة، أي ليس كما تريده الدعاية نفسها، إنما كآخر مطلق. فعلياً، لا يؤمنون بهذا الآخر فقط، إنما استهتارهم، وبالإنطلاق من معنى له، هو ممارسة لولعهم به، ولإفراطهم في هذا الولع. فالمستهترون يفرطون في ايمانهم، وفي ولعهم بذلك الآخر، لدرجة بعينها، لدرجة إبدائه أنه من نظامهم، من واحديته.

في الواقع، ثمة ما يسجله هذا الاستهتار، وهو ما لا يتحمله الهلعون: الفيروس، هذا الآخر المطلق، ليس سوى من إنتاج النظام، هذا الواحد المطلق. بعبارة أخرى، الإستهتار حيال الفيروس يسجل نوعاً من الطمأنينة إليه، من الإرتياح له، وهذا، لأنه ليس بغريب عن النظام، بل إنه ينم عنه، أنه يطلع من قلبه. المستهترون يدركون أن هذا الفيروس لم يأتِ من مجهول، بل من معلوم، مما هو حولهم، مما هم فيه، لا "ينكرون" هذا الوضع، ولا "يخافون على أنفسهم" من حقيقته. وهذا أيضاً سبب من أسباب إقذاع الهلعين لهم.

عملياً، هناك لعبة، لا يشارك المستهترون فيها، لعبة التأكيد على كون الفيروس شيئاً برانياً، وهو كان قد أتى إلى النظام من مكان ما، لا تحديد له، وبالتالي، يجب الوقوف، ومن خلال الهلع، إلى جانب النظام ضده. المستهترون يرفضون هذه اللعبة، مثبتين أن الفيروس مألوف، وهو جاء من هنا، ولهذا، لا حرب بينه وبين النظام، لا حرب تستلزم الوقوف ضده.

وفي حين انهم لا يشاركون في لعبة الهلعين، يمضون في لعبتهم الخاصة، التي تبدي استهتارهم بمثابة خطة. فبواسطة الاستهتار، يولعون بالفيروس، بوصفه من قلب النظام، وبهذا، يظهرون أنهم يرحبون بوليده كإشارة إلى كونهم ليسوا ضده، وإلى كون لا شيء طرأ فيه. من هنا، خطة المستهترين أن يستقبلوا الفيروس، كوليد للنظام، الذي يؤكدون له أنهم ملتزمين بحكمه، وفي الوقت نفسه، يتركون وليده يكبر، أي ينتشر، شارعاً في تحقيق بغيته: أن يكون الآخر الذي يقضي على الواحد- والإثنان مطلقان - وما أن يفعل ذلك، حتى يصيره، حتى يصير النظام لاحقاً.

على هذا النحو، يستند المستهترون إلى الإفراط في الولع بالفيروس، باعتباره وليد النظام، لكي يكون ضده، وهذا، قبل أن يتحول إليه. الاستهتار يتيح لهم أن يكونوا، وفي أثناء انتشار الفيروس، مستقبلين له، أن يتركوه ينتشر، ليطيح مصدره، أي النظام، قبل أن يصيره. بديهياً، كل هذا خطير للغاية، لأنه قد يودي بالمستهترين، لكنه يشير إلى أنهم، ونتيجة أنهم عالقون بين الواحد والآخر المطلقين، بين الواحد والذي يريد أن يكونه، على استعداد للإستماتة ولجعل الإماتة ممكنة من أجل التخلص من الإثنين. فالإستهتار خطة هؤلاء الذين لا خطة لهم للتخلص من النظام وفيروسه على حد سواء. لذا، الهلعون، بما هم سكان نظامهم ودولتهم، وحين يقذعون المستهترين، يريدون أن يسلبوهم إياها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها