الجمعة 2020/02/28

آخر تحديث: 17:33 (بيروت)

"النوم مع العدو":"ممنوع التهذيب" في البيت بديلا عن الغاليري

الجمعة 2020/02/28
increase حجم الخط decrease

في النسخة الثالثة من فعاليات "النوم مع العدو"  (تستمر حتى 3 آذار) التي أسسها كل من سمعان خوام وفادي شمعة في كانون الثاني من العام الماضي، يجتمع 9 رسامين لثلاثة أسابيع، ضمن مساحة واحدة لإنتاج الاعمال الفنية وإجراء النقاشات حول الفن وموقع الفنانين في الواقع الحالي. يحيل العنوان إلى طبيعة العلاقة التنافسية - النرجسية بين الفنانين بشكل عام، والرغبة في التلاقي على أرضية واحدة تتخطى العداء، الذي يكنّه كل واحد للآخر.

ينتمي المشاركون إلى انماط وأساليب فنية متباينة رغم اتفاقهم على استعمال الوسيط نفسه (الرسم على الورق). الفضاء الذي قرر الفنانون تشاركه، هو منزل من غرفتين في مارمخايل - النهر، أمامه حديقة صغيرة. يتشاطر الغرفة الأولى خمسة فنانين، وفي الغرفة الثانية أربعة.

تحتل آني كوركجيان زاوية الغرفة الأولى مع شخصيات لوحاتها الإباحية والمضطربة الفاقدة أي رغبة في الحياة، في مكان غير بعيد عن عصافير سمعان خوام المسيّسة والمعقدة لونيا، وبترام شلش صاحب الألوان الرمادية والمشاهد التي تشبه معارك القرون الماضية. تقبع في الوسط لوما رباح التي بدأت ألوانها الفرحة والمحبة للحياة، تتبدّل تدريجيا بسبب سوداوية المحيط وتشاؤمه.

في الغرفة الثانية، علق فادي شمعة بأسلوبه الاختزالي والمعاصر، بورتريهاته اللونية الخالية من الملامح، والمطعمة ببعض القطط، على الحائط، بينما استعار غيلان الصفدي صاحب اللوحات المعقدة إجتماعيا والمسرحية، إحدى قطط الشمعة وأضافها على الوجوه المصطفة في لوحته.

احتل منصور الهبر واجهة الغرفة إلى جانب شوقي يوسف، المنهمك بحفر الخطوط بالسكاكين وملئها بالألوان، مشكلا أجساما ذات حساسية عالية، تسبح في فضاءات بيضاء وفارغة.


تحمل نسخة هذا العام من "النوم مع العدو"، عنواناً فرعياً هو "ممنوع التهذيب"، وهي مختلفة كليا عن سابقاتها، من نواحٍ عدة. أولاً، اختار المشاركون هذه المرة شقة سكنية عوضاً عن "غاليري كاف للفن المعاصر"، الذي استقبل النسختين الأولى والثانية. يعكس التبدل في المكان المختار، الرغبة في الإبتعاد عن الغاليري واللجوء إلى حلول جديدة بعد تفاقم الأزمة الإقتصادية التي ادت الى تراجع حركة البيع والشراء، حيث قام الفنانون بإلغاء الوسيط بينهم وبين المتلقي/الزبون، وتولوا عملية البيع بشكل مباشر بعد تخفيضهم الأسعار (بمساعدة من القيمتين زلفا حلبي ولين مدلل اللتين تتوليان السوقين المحلي والخارجي).

التغير الثاني هو ارتفاع عدد المشاركين من ثلاثة إلى تسعة، ويفسر هذا التحول أحد الفنانين المشاركين بفقدان شبكات الأمان، بعد تفاقم الأزمة الإقتصادية وتوقف البيع كلياً، فأتت الرغبة بالخروج من العزلة والتآزر والتعاون لتشييد "بناء يحمي الجميع" حيث يتشاطر كل فنان الأسئلة مع الآخر، وينطبق ايضاً على المبيعات من اللوحات التي تقسم بشكل متساو على الجميع (والقيمتان أيضا).  

من ناحية أخرى، تعكس رغبة الفنانين في الإبتعاد عن الفضاء المؤسسي ولو مؤقتاً، ازدياد الريبة من مصادر التمويل التي تصب في عالم الفن (التي أثبتت ارتباطها الوثيق بالسلطة والمصارف). لا يقول المشاركون ذلك بشكل مباشر، إلا أن الإمتناع عن قبول اي دعم مادي وتشارك تكاليف إيجار المكان في ما بينهم يأتي في هذا السياق. ساعد اختيار هذا الإتجاه، ولادة ميل عند بعض الناشطين لتذنيب أي فنان يستفيد ماديا خلال الأزمة (عبر اعمال تتناول الإنتفاضة)، ما عزز الحذر عند الفنانين من الإنخراط في سياقات الإستثمار التقليدية، كما دفع الجميع إلى البحث عن مصادر للتمويل خارج لبنان (ما ينطبق على "النوم مع العدو" التي تحاول الإعتماد على السوق الخارجي).

طبعا، رفض المشاركون إستغلال لحظة الإنتفاضة أو الاستثمار فيها، كما حصل في المعارض التي استضافتها بعض الغاليريهات مؤخراً (مثلا غاليري جانين ربيز و Art on 56th) فلا نجد بين الأعمال المبعثرة في المكان المفتوح امام الجمهور، استعمالا مباشرا للرموز والإشارات التي تحيل للتظاهرات، كما أن تخفيض الأسعار الكبير الذي حصل (هناك ثلاثة أحجام لوحات هي A4 وA3 وA2 توزع أسعارها بين 200 ألف ليرة، 400 ألف ليرة و600 ألف ليرة) والحديث عن الرغبة في إيصال الفن إلى فئات لم يكن بمقدورها دفع ثمنه في السابق، يظهر الميل إلى تحدي نخبوية الوسط الفني، التي تحاول حصر الجمهور تلقائياً في شرائح معينة تنتمي للطبقات العليا والوسطى.

من هنا أتى استعمال المشاركين عنوانا فرعيا للحدث هو "ممنوع التهذيب" الذي يمثل الرغبة بإظهار الواقع بعناصره النافرة وتناقضاته التي لا تناسب حكما فضاء الغاليري، الذي يستعمل "الرقي والتهذيب" كأداة للإقصاء ونفي الفئات المختلفة. لا ينفصل هذا العنوان عن اعتراف المشاركين باختلافاتهم والعداء الكامن بينهم، ما ينسحب على رؤيتهم للمجتمع، والآخر، والإنتفاضة، وهي رؤية تتعارض مع رؤية "الفن السائد" والغاليريهات للمنتفضين في الشارع وتريد حشرهم في شعارات تحيل إلى الهوية الجامعة التي تمحي التناقضات وعلاقات القوة بينهم، وهي على كل حال نظرة تنسحب إلى المجتمع ككل.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها