الأربعاء 2020/02/26

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

برهان شاوي...خاطرة عن إحسان عبدالقدوس الذي أساء له اليسار(*)

الأربعاء 2020/02/26
برهان شاوي...خاطرة عن إحسان عبدالقدوس الذي أساء له اليسار(*)
احسان عبد القدوس
increase حجم الخط decrease
(*) لا أعتقد أن روائيًا عربيًا ظلمه "النقد الأدبي العربي"، على الرغم من شهرته، كالروائي المصري المعروف إحسان عبدالقدوس. 

فمع أنه من أشهر الأسماء التي روّجت لها السينما المصرية، لكن "النقد الأدبي الرسمي والأكاديمي" نظر إلى أعماله باستخفاف وسطحية ولم يمنحه مكانته الحقيقية في المشهد الروائي العربي إلّا من باب ذكر اسمه في الأحاديث الصحافية كواحد من ثلاثي: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، وإحسان عبدالقدوس.

وعلى الرغم من أن السينما المصرية ساعدت بشكل هائل في انتشار اسمه وهيمنته كروائي على الشاشة البيضاء، لكننا لو نظرنا بتأمل نقدي وجمالي لتلك الأفلام، وقارنّاها مع نصوصه الروائية، لوجدنا أن السينما أساءت لإحسان عبدالقدوس وأفقدت الكثير من رواياته عمقها النفسي وجرأتها الاجتماعية، لا سيما تلك الأفلام التي تم تغيير نهاياتها بسب الرقابة وعدم قبولها من قبل الجهات الرسمية، أو بسبب تأثر السينما المصرية بالقوالب الهوليوودية صاحبة النهايات السعيدة..

والحقيقة أن "بعض" رواياته، لا كلها، هي تحف فنية تصطف إلى جانب أشهر الروايات العربية. لكن النقد الأدبي، بما فيه المصري، أهمله لأسباب مختلفة، ربما ساهم هو في جانب منها. ربما غيرة منه، فهو الابن المدلل لروز اليوسف، صاحبة واحدة من أشهر المجلات المصرية والعربية، إلى جانب أنه لم يعانِ من مشاكل النشر وإثبات الوجود الإعلامي، فالطريق كان أمامه معبّدًا.

معظم قصص إحسان عبد القدوس القصيرة تكاد تكون توصيفاً موجوداً ومكثفاً لرواية لم تكتب بعد. وهذا يذكر ببدايات الفن السينمائي قبل ظهور فن "السيناريو الأدبي" حيث كان يمكن كتابة قصة الفيلم على صفحة أو صفحتين.

إحسان عبدالقدوس يحتاج إلى قراءة نقدية جديدة وحقيقية وعميقة لأعماله الروائية وقصصه القصيرة باعتباره من المؤسسين للرواية النفسية العربية، ومن الأوائل الذين توغلوا في الإشكالات الجنسية والكبت الجنسي وعوارضه من خلال الشخصيات الروائية.. لا سيما رواياته: "الطريق المسدود"، و"أنا حرة".. و"في بيتنا رجل".. و"الخيط الرفيع".. و"حالة الدكتور حسن" و"بئر الحرمان".. وغيرها.. طبعاً هذا لا يعفينا من التوقف النقدي عند روايات وقصص كثيرة له لا تتعدى كونها ريبورتاجات صحافية.

ومع الأسف، فإن الثقافة اليسارية العربية ساهمت في تشويه صورته أيضاً. فكل أدبيات اليسار في الخمسينات والستينات والسبعينات، شهَّرت بالشاعر نزار قباني وبالروائي إحسان عبدالقدوس باعتبارهما برجوازيين ولا يحملان هموم الطبقة العاملة.. ناسين أو متناسين بأن نزار قباني وإحسان عبدالقدوس كانا من التنويرين ومن حاملي لواء الحداثة الاجتماعية.. وأن تورغينف وليف تولستوي كانا يكتبان أيضاً عن الطبقات البرجوازية والارستقراطية، وهما بالفعل ارستقراطيان، وأعمالهما ساهمت في الكشف عن عوالم تلك الطبقات!

تعاليمنا اليسارية أساءت لنا في فهم الأدب أحياناً. وروجت للفهم الديماغوجي عن مهمة الأدب، ومهمة النقد شوهت عملية التقبل الفني والأدبي لدى أجيال، لا سيما تحت تأثير الفهم المبتذل للواقعية الاشتراكية.

شخصياً، تعلمت من إحسان عبد القدوس الكثير، وأحببت جرأته وشجاعته الأدبية وتوغله النفسي في أعماق شخصياته.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي برهان شاوي في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها