الأربعاء 2020/02/19

آخر تحديث: 19:25 (بيروت)

عليهم يا ملك!

الأربعاء 2020/02/19
عليهم يا ملك!
increase حجم الخط decrease
مَلَك عليوي إلى المحكمة العسكرية.. وميشال عون إلى نادي حافظ وبشار الأسد وكيم جونغ أون، والأرجح أن التاريخ لن يسعفه بأكثر من عضوية الترضية الممنوحة لعبدالفتاح السيسي.

ملك عليوي، عنفوانها الطبيعي، المجبول بغضب المظلومين، المَجني عليهم، جسدها النحيل الصلب، الأعزل من أي سلاح سوى حقّه وحقّها المهدور، الحق في الوجود والحماية والتعبير والتغيير. ركلت مرافق النائب أكرم شهيب، في بدايات ثورة 17 تشرين. هو المرافق الذي كان يهمّ باستدعاء سلاحه في وجوه مدنيين يرفعون أصواتهم، رفضاً للسلطة، واحتجاجاً على تركيبتها وأدائها اللذين أوصلا اللبنانيين إلى أزمة الحضيض. هذه الملك، تبلّغت اليوم استدعاءها إلى المحكمة العسكرية، مع ناشطين آخرين. الأرجح أنهم، في نظر الدولة، معتدون على شخصيات ورموز محصّنة بكلمات من قبيل: وطنية، أَمنية، سيادية...

وميشال عون، رئيس الجمهورية التي تئن بفشلها، السياسي والاقتصادي وحتى الأمني، الآتي من المؤسسة العسكرية، والمرتحل بين المراحل والتحالفات السيالة، منذ "حرب التحرير" ولغاية الحرب على المنتفضين بالحقّ، في الشوارع والأزقة والبيوت، ضامن الفراغ الرئاسي حتى شَغَله، وضمانة القضاء والمحاسبة والشفافية حتى الهزل الخطابي في رسائل تلفزيونية مُمَنتجة، مُطارِد الصحافيين والناشطين، بذراع صهره، ضمن أذرع الطغمة الحاكمة.. هذا العون، يحتفل تلامذة المدارس في مناطق نفوذ التيار العونيّ، بعيد مولده، مثل الأنبياء والقديسين وأباطرة العالم القديم الذي انتمى إليه لبنان منذ انتفت صفة الوظيفة العامة عن رئاسة الجمهورية لتصبح مَقاماً يُعاقِب القانون على المساس به. وقبل العقوبة، وبعدها، في ظل "العهد الـ(مستـ)قوي". فمَن يواجه المقام باعتدائه على الحريات والديموقراطية؟

هذا العون، وحده من بين رؤساء الجمهورية وقادة لبنان التاريخيين ورواده ومبدعيه وفنانيه وكتّابه، يحتلّ اليوم مكان "الوطن" في النشيد الوطني الذي وجد من يغنيه "كلّنا للعماد". النشيد ليس مقدّساً، وربما لا تفتن كلماته الكثير من اللبنانيين من غير هواة الإنشاء البطريركي المتهالك، إنما المؤكد أنه ما زال أقرب إلى الرمزية الجامعة للبنانيين، من "بيّ الكل". لكن، مجدداً، الدنيا مقامات.

ملك عليوي، ألهمت، برَكلَتها، رسامين وكتّاباً وموسيقيين. أضحت، ومن دون سابق تصميم، وبقوة ساقها المنتفضة، أيقونة ثورية، بصرية ومعنوية وسياسية ممهورة بكلمة "عليهم!". زفّها الشارع، من تلقائه، عروساً لمحمد حرز الذي، ذات يوم من عام "طلعت ريحتكم 2015"، أضرم في جسده النار "كرمى لأصحابه وكرمى للبلد".

ميشال عون، ألهم مطبّلاً، نشيداً وطنياً محرّفاً باسم شخص، مسؤول في الدولة، والدولة مؤسسة، والمؤسسة تُحاسَب وتُراقَب ولا تؤلّه. لكن خيال عَبَدة الجزمة، يسطّر الإنجازات. فهل نرى قريباً فيديو كورياً شمالياً، حيث يلقي اللبنانيون أنفسهم في البحر سابحين خلف قارب القائد المفدى؟

ملك عليوي، امرأة، مواطنة، ناشطة. جعلتها اللبنانيات صورتهن في مرآة الثورة. معها شابات حمَين رفاقهن الذكور، من هجمات الشبيحة وعناصر الأمن، بأجسادهن وحناجرهن وحتى بسواعدهن. أمهات ملأن الساحات شموعاً، وخطوط التماس القديمة عناقاً، وفضاءات المنازل قرعاً على الطناجر. وأخريات اعتُقلن وسُحلن واُرهبن، صوَّرن وكتبن ونشرن. ملك، ومن دون تشدّق أو شعارات، وبصِفْر ظهورات إعلامية، شرّعت الأبواب لكثير من الكلام. ليس فقط عن حقوق النساء في جمهورية الجنسية اللبنانية المتناسَلة بين الذكور، والمحاكم الشرعية القروسطية، وجريمة الشرف النظيفة، والاغتصاب المكافَأ بالزواج.. بل أيضاً على معاني الثورة اللبنانية اليوم، ومطالبها، وفاعليتها، ونسيجها غير المسبوق منذ تأسيس الكيان اللبناني. فيما كل الإطلالات الإعلامية المشرقة، لوجوه السلطة، لم تفتح نقاشاً حقيقياً واحداً في أي من القضايا العضوية المحمولة على أكتاف الناس في كل شارع.

هذه الملك، استدعاها القضاء العسكري. رمز يُحاكم، وحاكم حائر في تدبيج رمزيته. النشيد الوطني يعاد الآن تأليفه، فانحلوا القديم ما طاب لكم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها