الأربعاء 2020/02/19

آخر تحديث: 21:04 (بيروت)

"آخر الجنود" لبشير البكر... لم يبقَ سوى الأسفِ

الأربعاء 2020/02/19
"آخر الجنود" لبشير البكر... لم يبقَ سوى الأسفِ
increase حجم الخط decrease
صدر حديثاً عن منشورات المتوسط –إيطاليا، المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر السوري بشير البكر، بعنوان "آخر الجنود"، ويأتي بعد عمله السادس الذي صدر العام 2013 عن دار النهضة العربية في بيروت تحت عنوان "عودة البرابرة". وكما العمل السابق، احتلت الثورة السورية مساحة أساسية في الديون الجديد، ومن هذه الأجواء:

"أنتَ 
هو
لم ترحل
ولم تعد من الرحلةِ.
ما جرى حقّاً
أنّكَ كنتَ في صالةِ الانتظارِ
تقرأُ في كتابٍ آخر.
وما دامَ حصلَ
كلُّ ما لم يكن في الحسبان
لم يبقَ سوى الأسفِ
زوّادةً لكلّ الأوقاتِ.
أمّا الأحلامُ الكبيرةُ
التي أجّلتَها كثيراً
فستهرَمُ من تلقاءِ ذاتِهَا
في دمار المدنِ 
وحرائقِ الأريافِ
وأنتَ تراقبُ القمرَ
عن كثَبٍ
أو من بعيدٍ
بانتظارِ مراكبَ أُخرى.
وهذا كلُّ شيءٍ
هكذا جرى الأمر
كأنَّها لم تكُنْ ثورةً"...

ويحفل الديوان بتنويع واضح بين جغرافيات وأحوال وفق ناظم يميز قصيدة بشير البكر وهو عمل على الصورة الشعرية التي باتت أكثر كثافة، كما هو الحال في قصيدة "كما في الصمت":
الأشياءُ الجميلةُ
تلك التي جاءت فجأةً
ورحلت بلا ميعاد.
كأسُ البيرةِ في يومٍ حارٍّ
النظرةُ الأولى والأخيرةُ للمرأةِ
في المصعدِ
أو في الطريق.
عطرُ الوردِ
الذي تحمله سيدةٌ لغيركَ.
أن تحلمَ بأنّكَ رفيقُ الأنثى
وتصحو على أنّكَ وحدَكَ
خيالُكَ مستوحشٌ
 ونديٌّ
مثلَ يتيمِ السادسةِ فجراً
في هذه الأوقاتِ
لكَ أن ترى ما تريدُ
ثمَّ لا شيء.
ويمضي الوقتُ
كأنّكَ تأتي متأخراً
ولم تعد تصدّقُ
كلَّ ما حدث.


وجاء في تعريف الناشر أن الشاعر يُشيِّدُ مُدناً من الخراب، يرتِّب الأنقاضَ بقصائد مؤلمةٍ، وذاكرة تعجُّ بأصواتِ القنابل والانفجارات، كأنَّ كلَّ نهايةٍ دمار، وما يأتي لاحقاً هو عدمٌ ولا شيء، فالمنافي الباردة، تزيدُ من الألم وتُعمِّقُ الجراحَ البعيدة. هنا تبدو العتبتان اللَّتان استهلَّ بهما الشاعر كتابه، بخلفيتِهما السوداء وبياضهما المؤلم، مهمِّتَيْن للمضي في رصدِ أنطولوجيا الحرب ومآسيها؛ وسيرة آخر الجنود، يكتبُ البكر: "الألمُ ذلك الشيءُ/ الذي لا يُسبِّبهُ أحد..." ويضيف: "ما عدا القنابلَ/ والأطلالَ/ والدمعةَ في العين/ لا شيءَ/ أيَّتُها البلاد".
 

نقرأ: لا ترى ما يقرؤُهُ الصَّمتُ/ في كتابٍ أبيضَ بلا كلام/ يتحدَّثُ عن أطفالٍ من سُورية/ حاولُوا عُبُور البحرِ/ وطافوا هناك.

هكذا، يصبحُ تدوينُ الكوابيس وتسجيلُ المناماتِ عملاً يوميّاً، يحدثُ كأيِّ شيءٍ يوميٍّ في دورة الحياة. هل ستكونُ الكتابة منجاة؟ أم هي عكسُ ذلك، حتّى وإن ارتبطت بالتفاصيلِ العادية، لرجلٍ ضائع ما بين الجمر والرمّاد، رجلٌ تحيطُ ببيتهِ أشجار الحدائق في لندن، بينما تتسَّللُ إلى غرفة نومه رائحةُ شجرةٍ من الغوطة في الخريف.

عن المؤلّف:

بشير البكر كاتب وصحافي وشاعر سوري، مواليد مدينة الحسكة نهاية الخمسينات. مقيم حالياً في باريس، صدرت له ستُّ مجموعات شعرية هي: معلقة الكاردينال، قناديل لرصيف أوروبي، أرض الآخرين، ليس من أجل الموناليزا، ما بعد باريس، عودة البرابرة. وفي السياسة صدر له: القبيلة تنتصر على الوطن، القاعدة في اليمن والسعودية. تُرجمَ عدد من أعماله إلى الفرنسية، الإنكليزية، والتركية.

عمل في جرائد وصحف عربية عديدة منذ 1980، ونال العام 2008 جائزة الصحافة العربية. شارك العام 2013 في تأسيس صحيفة "العربي الجديد"، وعمل رئيساً للتحرير حتى منتصف 2019. يعمل حالياً رئيساً للتحرير في "تلفزيون سوريا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها