الخميس 2020/12/24

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

يا سيّد الحكاية...

الخميس 2020/12/24
يا سيّد الحكاية...
طلال ديّوب
increase حجم الخط decrease
حين قرّر صفيّك متّى أن يكتب حكايةً عنك، استهلّها بحكماء يأتون من بلاد فارس كي يسجدوا لك. وحين سألنا عن مغزى الحكاية، قيل إنّ عبدَة النار يأتون كي يعبدوا الإله الحقيقيّ. لكن فات الذين فسّروا، أنّ الفرس كانوا أعداء الروم اللدودين، طوال قرون بعدها قرون. أمّا أنت، فطفل منسيّ في بقعة منسيّة من الإمبراطوريّة الرومانيّة يصالح الفرس والروم ويومئ إلى قدرة البشر على كسر الحواجز إذا هم تمعّنوا في علامات السماء.

لم تنتهِ الحكاية هنا. من حكماء بلاد فارس، ينقلنا الإنجيليّ العظيم إلى بيت لحم، بيت الخبز، حيث الخبز مجبول بدموع الفقراء ومجبول بتأوّهاتهم. هناك قيل إنّ الملك الطاغية سفك دماء الأطفال. لعلّ الذين شكّكوا في «تاريخيّة» الحادثة كانوا على حقّ. فرواة التاريخ لم يحفظوا لنا أنّ هيرودس الكبير ارتكب مثل هذا العمل المشين. لكنّ هؤلاء فاتهم أيضاً أنّ الحكايات المفتوحة تتخطّى جزيئيّات التاريخ. وفاتهم أنّ الطغاة ما زالوا يذبحون الأطفال حتّى اليوم كما هو مكتوب في الحكاية.

لعلّ تلميذك متّى كان يفكّر في حكاية أخرى حين كتب ما كتب: حكاية الفرعون الذي بطش بأطفال بني إسرائيل. فأوعز الله إلى كليمه موسى أن يغادر مع الشعب، مصر العبوديّة، ويدخل متاهة الصحراء سعياً إلى أرض جديدة، إلى كنعان الحرّيّة. لكنّك في حكايتك قلبت الأشياء رأساً على عقب كما كنت تفعل دوماً. فأنت ارتحلت من كنعان إلى مصر، هرباً من غطرسة ملوك الأرض وجورهم. فيما كان الطاغية يذبح الأطفال فيمتزج خبز «بيت الخبز» بالدم، كنت ترتحل طفلاً معطوباً إلى مصر، أهراء الروم والبحر المتوسّط منذ أقدم الأزمنة، كي تصالحها مع كنعان. وعوضاً من أن تفرّ من مصر مثل بني إسرائيل، رجعت إليها وأقمت فيها كي تعلّمنا كيف تنكسر رموز العبوديّة وكيف يسقط الفراعنة الواحد تلو الآخر. لكنّك أيضاً باركت هذه الأرض الطيّبة، وباركت الأهرام ووادي الملوك، حتّى إنّ بعض الذين أحبّوك هناك قالوا إنّهم الكنيسة الوحيدة على وجه الأرض التي أسّستها أنت شخصيّاً، وليس واحداً من رسلك الحواريّين. ومن ثمّ، استعادتك كنعان جليليّاً ينتمي إلى «جليل الأمم»، إلى تلك البقعة المشلوحة على هامش التاريخ، والمعمّدة بدماء آلاف الثوّار الذين علّقهم القيصر على صلبان قبل ميلادك بقليل. وكان الأطفال هناك في انتظارك كي تلعب معهم طفلاً إلهيّاً يعيد تكوين الأشياء من جديد ويخلق من الطين كهيئة الطير.

يا سيّد الحكاية! لقد بشَّرت الطواغيت باندثار عروشهم. وكنت مع الأطفال طفلاً، ومع الفلكيّين نجماً، ومع المسافرين عبر الصحراء مطرة ماء. وفيما كان القيصر يبني السلام الرومانيّ أهراماتٍ من جثث الجرمان والبرابرة، كنت أنت تصالح بميلادك الروم والفرس والمصريّين والكنعانيّين، وتصنع سلاماً من نوع آخر لحكاية من نوع آخر، حكاية ما زالت تذهلنا رغم انقضاء ألفين من السنين على روايتها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها