الأربعاء 2020/11/25

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

"بايبود 2020" في هِجرته: أجساد منهكة وافتراضية

الأربعاء 2020/11/25
increase حجم الخط decrease
تحت ضغط الظروف الحالية، قرر منظمو مهرجان بايبود للرقص المعاصر، تقديم نسخة هذا العام افتراضياً، حيث ستنقل العروض من مكان حدوثها حول العالم إلى المشاهدين عبر منصة "سيترن لايف" التي تمثل استكمالاً لروحية مركز سيترن  للفنون الأدائية، الذي شكل إغلاقه العام الماضي ضربة قاسية للعاملين في المجال. 


لا يرتبط هذا التحول فقط بكورونا، بل أيضاً بالأزمة الاقتصادية اللبنانية، التي دفعت المنظمين لنقل عملهم من بيروت الى ليون، في أيار الماضي، في محاولة لتفادي الصعوبات التي تواجه العمل الثقافي المحلي من الناحية الإقتصادية بشكل خاص، والتي تجعل العمل على أي مشروع عملية صعبة ومخاطرة مكلفة، مع العلم أن إغلاق فضاء سيترن بعد أربعة اشهر على افتتاحه، لم يكن قراراً من المنظمين، بل اتى بعد إلغاء بلدية بيروت ترخيص المكان وامتناع وزارة الثقافة عن تقديم الدفاع اللازم عن المركز الذي يعتبر الأول من نوعه في بيروت.

بكل الأحوال، يأتي "تمدد" المهرجان اليوم إلى أوروبا وآسيا في سياق توجه عام للعاملين في قطاع الثقافة والفنون إلى الخارج، لتأمين الاستمرارية المهددة في لبنان. لا نتحدث هنا بالضرورة عن الهجرة نهائياً، بل على الأقل تعزيز التواصل وإيجاد سياقات عمل جديدة أكثر تماشيا مع التطورات، علما ان الفنون المعاصرة بشكل عام، عابرة للحدود بشكل بنيوي، ولا يمكن أن تكون منعزلة جغرافياً أو ثقافياً وإقتصادياً.

 


تحمل نسخة هذا العام من "بايبود" ثيمة "عمارة الجسد المنهك" Architecture of Ruined Body التي يمكن قراءتها من زاويتين: الأولى مرتبطة بانفجار المرفأ الذي كان بمثابة كارثة على الأجساد المنهكة اصلاً في بيروت، أما الثانية فمرتبطة بجائحة كورونا التي سجنت سكان العالم في فضاء البيت المغلق، مانعة عنهم الشمس والهواء، وجعلتهم فريسة سهلة للقلق والخوف. اما الربط مع العمارة، فأتى للتركيز على دور البيت في تشكيل المآلات التي تأخذها الأجساد، بعدما تغيرت وظائفه المعمارية من مكان "يسكن" الجسد فيه ويرتاح، إلى فضاء دائم للعمل والراحة في آن، ما ينهك الجسد نفسياً مع الوقت ويمتص طاقاته. طبعاً البيوت أجساد أيضاً، تتحول مع الوقت لتصبح شبيهة بالأشخاص الذين يعيشون داخلها، وهي تمتلك أعماراً قريبة من الإنسان، تشيخ ويظهر العمر على جلدها، قبل أن تموت في النهاية.

وفق عمر راجح، يبحث المهرجان في السبل التي يتعامل الجسد فيها مع الأزمة، حيث تعالج كل فرقة الموضوع من وجهة نظرها الخاصة: "استعملنا تعبير الجسد المنهك او المحطم لأنه يركز على حقيقة أن هذا الجسد ما زال على قيد الحياة رغم كل شيء، ولم يستسلم بعد. جزء كبير من الفنانين الأدائيين أصيبوا بالاكتئاب عندما حصل الإغلاق العام ولم يعودوا قادرين على العمل بسبب الإنهاك النفسي والاضطراب الحاصل في رؤيتهم للعالم".  

هذا الوصل بين المستويين المحلي والعالمي يظهر في الشعار الآخر الذي تبنته منصة سيترن "Local cities Global Bodies" وهو يمثل بشكل مباشر توجه المهرجان الجديد للبحث عن القواسم المشتركة بين الأجساد التي يوحدها الخوف من المستقبل حول العالم، علما ان هذا الخوف يأخذ شكلا جديدا ومختلفا بحسب السياقات المحلية للبلد المتواجد فيه. 

يؤكد راجح ان هذه التحولات التي شهدها المهرجان اليوم كانت ضرورية: "منذ بداية الإغلاق العام، شهدنا كيف يستعمل الفنانون فايسبوك وإنستغرام لعرض أعمالهم، لكني كنت أشعر دائماً بخطورة تشجيع المشاهدة المؤقتة والسريعة التي تعتبر جزءاً من طريقة عمل وسائل التواصل. الناس كانت تصادف العروض خلال تصفح الصور والتعليقات، ويشاهدونها لأقل من دقيقة ثم يخرجون، لذلك قررنا تخصيص منصة للعرض يتعامل معها المشاهد بصفتها مكاناً كالمسرح، يخصص له وقتاً من يومه بشكل منظم وبلا تشويش. اكتشفنا مع الوقت احتمالات التواصل واللقاءات الموجودة ضمن هذه المنصة التي بدأت الفرق حول العالم تقدم عبرها العروض ويستخدمها شركاؤنا لتنظيم فعالياتهم".

من ناحية أخرى، تشكل هذه التحولات التي يعيشها المهرجان فرصة للتجديد أيضاً: "في المستقبل يمكن أن ننظم العروض في فضاءات عامة مثل الطريق والمقهى، من دون الإلتزام بفضاء المسرح المغلق الذي حصلت داخله غالبية عروض المهرجان السابقة". هذا التجديد كان قد حصل أيضاً مع مشروع "مبنى سيترن" الذي قدم نموذجاً للفضاء المسرحي المختلف عن الفضاءات التقليدية: "لماذا تأخذ المسارح دائماً مواقع هامشية كالأقبية والمستودعات او فضاءات مخفية عن العيون وتحت الأرض لا يمكن الوصول إليها؟ عندما افتتحنا "سيترن" كان في وسط المدينة ويجذب اي شخص من المارين. وهذا ما نحافظ عليه اليوم في المشروع الإفتراضي Citerne.live".

العرض الإفتتاحي للمهرجان سيكون في مدينة ليون الفرنسية التي أصبحت مكان ارتكاز منظمي المهرجان، عمر راجح وميا حبيس، بينما ستتوزع العروض الأخرى بين باريس، تولوز، جنيف، برلين، مدريد، طهران، أوترخت، وبيروت. على الهامش، ستكون هناك حلقات نقاش وعروض أفلام ولقاءات بين بيروت وليون، تواكب التطورات المتسارعة التي تحدث على مستوى لبنان والعالم في المجالين الثقافي والفني. كما أن العروض ستُبثّ بشكل مباشر على المنصة ولن تكون مسجلة مسبقاً، وهو شرط أساسي للمهرجان مع الفرق المشاركة كي يشعر الجمهور أن هناك ما يوحده (الزمن) رغم وجود مسافة آلاف الأميال بين المشاهدين والفرق المشاركة، كما للتأكيد على ان العروض لا يمكن الوصول إليها في اي وقت بل هي تجربة فريدة وأصيلة لا تتكرر، بعكس "الفيديو دانس" Video Dance مثلاً الذي يتم تصويره كي يتمكن الناس من مشاهدته ساعة يشاؤون، مع العلم ان هناك قواسم مشتركة  كثيرة بين النمطين.

الفرق المشاركة تتعاون كلها مع مخرجين سينمائيين ومدراء تصوير، يحرصون على نقل العمل بالشروط الجديدة للمشاهدة، وليس لخلق تجربة شبيهة بالمسرح وفق ما يؤكد راجح. لكن هذا لا يجعل العروض أفلاماً، بل تجربة يتعاون فيها الجميع لإيصال الرؤية الفنية لمصمم الرقص والمخرج المسرحي بطريقة تخدم المضمون الذي يعتبر العنصر الأهم في العملية.


(*) للحصول على جميع التفاصيل حول البرنامج والفرق المشاركة يرجى الضغط هنا
(**) للتسجيل والمشاهدة  اضغط هنا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها