الثلاثاء 2020/11/10

آخر تحديث: 11:31 (بيروت)

نبيل واكيم يدافع عن عربيّته حباً بجدّته

الثلاثاء 2020/11/10
نبيل واكيم يدافع عن عربيّته حباً بجدّته
العار، في المرحلة الأولى، من كونه يتكلم العربية، والعار، في المرحلة الثانية، من كونه لا يتكلمها
increase حجم الخط decrease
في حال اختصار كتاب نبيل واكيم(*) في جملة واحدة، فمن الممكن القول إنه بمثابة محاولة أولى للإستحواذ من جديد على اللغة العربية. طبعاً، الاستفهام الذي يُطرح هنا هو: لماذا هو "أول المحاولة"؟ ولماذا هو "الاستحواذ من جديد"؟

ولد واكيم العام 1981 في لبنان، قبل أن يغادره الى فرنسا في الرابعة من عمره. قبل مغادرته هذه، كان يتكلم العربية، هكذا أخبرته أمه، لكنه، ولاحقاً، بدأ بخسارتها بالتدريج. يشير، وبطريقة طريفة نوعاً ما، وهي طريقة تطبع كل فصول كتابه، إلى أن خسارته لها قد حصلت بين عمر الرابعة وعمر الأربعين. هذه الخسارة اقترنت بأمرين، أو بالأحرى بأمر متماثل ومنقسم على مرحلتين: العار، في المرحلة الأولى، من كونه يتكلم العربية، والعار، في المرحلة الثانية، من كونه لا يتكلمها.

في البدء، كان واكيم، وخلال نشأته، يشعر بالعار من العربية، من سماعها، ومن تكلمها، وهذا، على سبيل اندماجه في الفرنسية، على سبيل اندماجه في مجتمعها. فهو غالباً ما ينكر العربية، أما، وفي حين لا يفعل ذلك، فلكي يجذب بغرابتها صحبه. فكان، ولكي يسعى الى التقرب من فتاة ما، يرسل لها أغنية لفيروز في حين أنه لا يفقه أي كلمة منها. وهذا، لكي يقدم لرفيقته جانبه "الشرقي"، الذي قد يحمل، وعلى ما كان يعتقد، إلى سحرها. بيد أنه، وبعيداً من إنكار العربية أو لفت النظر بها، احتفظ واكيم ببعض عباراتها. للإشارة إلى مأكله اللبناني بالتأكيد، ولكن، للتعبير عن أشياء معينة، من قبيل أن قرية والده، كرخا، تقع "بالجنوب"، أو أنه في مقدوره أن يدرك ما جاء على لسان محاوره بالعربية، لكنه لا يستطيع التحدث بها، "ما بحكي عربي بس بفهم".

هذه العلاقة مع العربية تغيرت مع الوقت. صحيح أن واكيم لم يتعلمها، لكنه، كان، وعلى الدوام، يرمي الى ذلك، قبل تأجيلها. في هذه الاثناء، شب وشرع في العمل صحافياً في "لوموند"، ومدرساً في "science po"، ومن وقت الى غيره، يزور لبنان لملاقاة عائلته الكبيرة، وعلى رأسها جدته. يخبر واكيم أن جدته زينة، التي رحلت في حين تدبيجه لكتابه، كانت، وعلى عادة كل أجداد وجدات المهاجرين، أو أهلهم على العموم، تسعى الى التحدث معه بالعربية، وعندما لا يرد، تنطلق في تأنيبه، حضاً له لتعلمها. كان واكيم، وكل مرة، يلتقي فيها بجدته يشعر بكونه خاطئاً، وخطأه يتعلق بأنه لم يتمكن يوماً من إسترجاع عربيته، أو رجوعه اليها. هذا الخطأ، وإن كان، وفي أساسه لغوياً بالنسبة إلى واكيم، إلا أنه يأخذ منحى مختلفاً حيال الجدة نفسها، بحيث يصير خطأ بحق الصلة معها. كما لو أن واكيم لا يريد هذه الصلة، أي لا يريد أي مشترك مع جدته، ولهذا، وبفعل حبه لها، يشعر بالذنب، ولهذا أيضاً، قد يقدم أمامها، وفي حين زيارته لها في مشفى "أوتيل ديو"، على التلفظ ببعض العبارات العربية طلباً لرضاها، أو لإفراحها.

في هذا السياق، سياق تأنيب الجدة، يقرر واكيم أن يحاول الاستحواذ من جديد على العربية. وأول هذه المحاولة هو كتابه، الذي يروي فيه قصة علاقته بهذه اللغة، وبعد ذلك، وهنا، مقلب من المقالب المهمة للكتاب، يربط بين خسارته لها وكونها، وعلى اشارته، "تابو" في فرنسا. فهي كذلك بالنسبة الى الدولة التي لا تقر تعليمها، وهي كذلك على أساس ربطها الغبي مع التطرف الإسلامي، وهي كذلك على أساس النظر اليها كلغة لا جدوى من تداولها عالمياً، وهي كذلك على أساس صناعة "العربي" الذي لا يتحدث سوى الفرنسية جيداً... بالتالي، يذهب واكيم من قصته إلى قصة العربية في فرنسا، أو إلى وضعها تحديداً، بحيث أنها، وعلى الرغم من وجود الملايين من متكلميها، ليست موجودة إلى جانب غيرها من اللغات التي لا حاجة إلى تبرير مجاورتها لبعضها البعض. في إثر هذا الربط، يمضي واكيم إلى مديح التكلم بالعربية مع الفرنسية والإسبانية وغيرها، وهذا، من باب معلوم، اي ان كل لغة من هذه اللغات تغني المتحدث بها، وتفتح له عالماً جديداً. فأن تتحدث فرنسا هذه اللغات، ومن بينها العربية، هذا يجعلها بلداً بعوالم مفتوحة على بعضها البعض، وحينئذ ستستطيع كل جدة، تماماً كجدّة واكيم، التكلم مع احفادها اكثر.. اكثر من ترداد "كيفك؟ منيح!".

(*) L'arabe pour tous, pourquoi ma langue est taboue en France, Seuil. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها