الأربعاء 2020/10/14

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

ذكرى 17 تشرين: مجتمع يرفض التغيير

الأربعاء 2020/10/14
ذكرى 17 تشرين: مجتمع يرفض التغيير
غرافيتي الثورة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
مع دنو الذكرى السنوية الأولى لثورة 17 تشرين، ثمة تخوف من إضافة هذه الذكرى إلى لائحة الشعائر والمهرجانات الوطنية المُحتفَل بها سنوياً، رغم أنها لم تحقّق مبتغاها... إن الاحتفاء بهذا اليوم بعد عام على إندلاع الثورة/الإنتفاضة/الحراك، وما تبعه من إنهيار إقتصادي وإفلاس سياسي ورعب أمني، هو للأسف دليل فشل وخسارة فادحة. 


معدلات الهجرة في 17 تشرين 2020 هي بلا أدنى شكّ أعلى من تلك التي شهدها 17 تشرين 2019، وكذلك معدلات البطالة، الفقر، والإحباط. بالطبع لا نتحدث هنا بمنطق السلطة التي سعت إلى تحميل ثورة تشرين مسؤولية الإنهيار، وإنما من منطلق فشل هذه الثورة بعكس أي من مظاهر هذا الإنهيار الذي تمّت هندسته منذ سنوات، بل عقود. فهل يمكن أن يُعزا فشل هذه المحاولة الثورية، إلى تأخرها؟ هل كانت معركة خاسرة قبل خوضها؟ يمكننا ربّما أن نعزّي أنفسنا بهذه الإستنتاجات فنلقي عنّا ذنب الفشل.

إلا أننا سارعنا، منذ اللحظة الأولى، إلى إعلان نصرنا في الشارع. في اليوم التالي لليلة 17 تشرين، خرج اللبنانيون إلى الشوارع بالـ"مانترا" الشهيرة، "الشعب اللبناني خلع عباءة الطائفية". كان ذلك قبل أيام من غزوة شبان "الثنائي" للساحة بشعارهم الخاص "شيعة شيعة" مذكّريننا بأمجاد 7 أيار2008. أطلّ من بعدها شباب "المستقبل" معلنين تصديهم لأي إستهداف يطاول الطائفة السنية (مجسّدةً برئيس الحكومة التي قامت الثورة ضدّها). قبل أن يظهر أتباع الحزب الحاكم، الذي تجتمع غالبية فئات الشعب اللبناني على كرهه، بتشبيهاتهم العجائبية لميشال عون بالمسيح.

هذه المظاهر الطائفية التي شهدتها أولى أيام الثورة، تكثّفت على مرّ العام الماضي، وكادت تنزلق في مشهدية حرب أهلية جديدة. تسرعنا في إعلان نهاية العهد الطائفي بشكلٍ ينمّ عن قصر نظر، وهو قصر النظر ذاته الذي تعاملنا به مع مافيا المصارف. أعمتنا حماستنا عن إدراك تعقيد المنظومة اللبنانية، فصدّقنا أن بضعة إحتجاجات في الشارع كافية لحثّ ناهبي البلاد على التنازل، بكل طيب خاطر، عن ثرواتهم وإمتيازاتهم.

أتساءل اليوم إن كان يجدر بنا أن نجلد أنفسنا أم أننا في الواقع ضحايا لا قدرة لهم على تغيير أقدارهم المصنوعة في الخارج، ككل شيء آخر. قد لا نستحق الجَلد عقاباً على ما مرّ في العام الماضي بقدر ما نستحقه على كل ما سبق. فرغم مؤشراته المتعاقبة، لم نلتفت إلى الإنهيار إلا بعدما صار واقعاً. لم نعره اهتماماً حين كنا عناصر فاعلة في إرسائه، بل عندما وجدنا أنفسنا ضحايا له.

سكتنا مطولاً عن تثبيت سعر العملة بشكلٍ غير واقعي، ولعقود متتالية، لأننا كنا، في الواقع، مستفيدين منه. تغاضينا عن غياب القطاعات الإنتاجية لأن دولاراتنا كانت تسمح لنا باستيراد البضائع الأجنبية رفيعة الجودة. تعايشنا مع إرتفاع أسعار السلع بشكلٍ جنوني لأن باب الدولار كان مفتوحاً من قبل الجهات المانحة. لم نعترض على تضخم أسعار العقارات والإيجارات لاستفادتنا من دعم الإسكان الذي ساهم في الغلاء. تجاهلنا تدهور المستوى التعليمي لأننا قادرون على إرسال شبابنا إلى جامعات أوروبا وأميركا. لقد سكتنا عن كل أسباب الإنهيار لإستفادتنا من الفتات الذي رماه لنا بعض مهندسي النظام الإقتصادي، ولم نعترض إلا عند حرماننا من هذا الفتات. وحتى ذلك الحين، اقتصرت معارضتنا للنظام على وجهه الطائفي والفاسد من دون الإقرار برضوخنا إلى بعض أشكال هذا الفساد.

ما حصل، منذ إنطلاق شرارة 17 تشرين، كان إلى حدّ ما خارجاً عن إراداتنا. لم نملك القدرة على إيقاف تدفق الدولارات إلى الخارج أو التصدّي للميليشيات الطائفية والمسلّحة. لقد أفرطنا في تقدير قوتنا في الشارع وعمدنا إلى تضخيم أثر 17 تشرين، ثم أُصِبنا بالإحباط مع إدراك حجمها الحقيقي، تماماً كاستهجاننا لدى إدراك قوة عملتنا المتهاوية.

إن الإقرار بضعفنا وعجزنا ليس استسلاماً لليأس، بل واقعية ضرورية في عالمٍ تزداد سوداويته، ووطن لا مكان فيه للأحلام الوردية. تبدأ هذه الواقعية بالإعتراف بأننا مجرّد فئة "شاذة" عن مجتمع يرفض التغيير بمعظمه، وباعتبار 17 تشرين محطة واحدة ضمن سيرورة طويلة نحو التغيير، وليست إنجازاً محورياً ولا يوماً مجيداً. إنها مجرّد محطة، والرحلة ما زالت طويلة جداً. بل ربما مستحيلة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها