السبت 2020/10/10

آخر تحديث: 12:17 (بيروت)

"أمل الصغيرة".. رحلة عملاقة من سوريا إلى بريطانيا

السبت 2020/10/10
"أمل الصغيرة".. رحلة عملاقة من سوريا إلى بريطانيا
"أمل" عمرها 9 سنوات.. قصتها قصة الأطفال اللاجئين
increase حجم الخط decrease
"وهكذا فإن المشي-كفنّ، زودني بطريقة بسيطة لاستكشاف العلاقات بين الوقت والمسافة والجغرافيا والقياس. تُسجل هذه المسارات في عملي بالطريقة الأنسب، لكل فكرة مختلفة: صورة فوتوغرافية أو خريطة أو نص. وكل من هذه الوسائط يغذي الخيال"، كاتب هذه الكلمات، الفنان البريطاني ريتشارد لونغ، لم يكن أول من وظف المشي كقالب فني، لكنه ولوقت طويل كان أشهر الفنانين المشائين. 

في واحدة من قاعات متحف "تيت مودرن" للفن الحديث في لندن، تُظهر واحدة من صوره الفوتوغرافية خطاً باهتاً على أرض مغطاة بالعشب، ويقود إلى دغل وأشجار تنتصب في حقل. العمل يحمل عنوان "خط صنع بالمشي" (1967)، وهذا ما فعله لونغ حقاً، سار بشكل متكرر، ذهاباً وإياباً على العشب، حتى ترك أثره على سطح الطبيعة. خرج العديد من الفنانين من بعده للمشي، وتسجيل مساراتهم، فرادى أو جماعات، أو في أزواج ليتتبع أحدهم آثار خطوات الآخر على شاطئ رملي، أو مشوا على سور الصين العظيم في اتجاهين مختلفين حتى تلاقوا عند نقطة ما بعد 90 يوماً، وبعضهم تتبع مشاة مجهولين بشكل عشوائي، أو طلب من العابرين رسم خرائط صغيرة للاتجاهات. وفي واحدة من أكثر الأعمال درامية، سار تهشينغ هسيه في العراء وبلا مأوى، لمدة عام كامل. في العام 1995، مشى الفنان البلجيكي فرنسيس أليس عبر القدس متتبعاً الخط الأخضر، حاملاً عبوة مثقوبة يقطر منها الطلاء، معيداً رسم الخط الوهمي على الأسفلت باللون الأخضر الباهت. 
في أبريل/نيسان المقبل ستنطلق "أمل الصغيرة" من الحدود السورية التركية إلى بريطانيا، في رحلة ستسمر حتى شهر يوليو/تموز. الدمية العملاقة بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر، والتي تمثل لاجئة في سن التاسعة، ستمشي مسافة تتجاوز الثمانية آلاف كيلومتر. وخلالها، ستمر عبر 70 مدينة وبلدة وقرية في تركيا واليونان وإيطاليا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا، بحثاً عن والدتها. المسيرة التي وصفت بأنها أكثر المشاريع الفنية العامة طموحاً، يقف خلفها الفريق المسرحي البريطاني "غود تشانس" ومعه صناع دمى الخيول ذات الحجم الطبيعي بمسرحية "حصان الحرب" (عرضت في المسرح الوطني الإنجليزي في لندن بين 2007-2009).



الدمية التي تبدو ملامحها من القرن الأفريقي، تستقبلها في كل محطة في مسار رحلتها، فعاليات مختلفة، حفلات شارع كبيرة وأعمال فنية وأحياناً لقاءات محلية متواضعة. ستسير في روما وسط لوحات مسقطة على مبان مدمرة من أعمال الفنان السوري تمام عزام، وفي باريس يستقبلها تجهيز فني عبارة عن نموذج لمخيم للاجئين يتم نصبه في الهواء الطلق.

وبعدها تصل إلى لندن للاحتفال بعيد ميلادها العاشر، قبل أن تحط في محطتها النهائية في مانشستر. ويأمل منفذو المشروع أن تسلط قصة "أمل" الضوء على التحديات التي يواجهها الأطفال اللاجئون، وأن تكون كذلك مصدراً ملهماً للأمل. 

الأبعاد العملاقة للدمية التي يحركها ثلاثة أشخاص، واحد داخلها واثنان للتحكم في الذراعين، تذكرنا بغوليفر في بلاد الأقزام. جوناثان سويفت، كاتب "رحلات غوليفر"، قدم النصوص الأشهر عن الرحلة في أرض الغرباء، التيه واللجوء إليها، نصوص هي الأكثر سخرية وتشاؤماً بالقدر نفسه أيضا، قليل من الأمل تركه حتى نتصور تعايشاً في الأرض الأجنبية ومع أهلها. المفارقة بين تهكمية سويفت اليائسة و"أمل الصغيرة"، بين حجمها الضخم وكنيتها "الصغيرة"، بين مباني روما التاريخية وبين لوحات الخراب السوري التي تزينها، بين احتفالات الشوارع التي ستكون في انتظار اللاجئة الدمية وبين الأسلاك الشائكة والكلاب البوليسية التي تستقبل الأطفال اللاجئين من لحم ودم.. المقابلة بين مخيم اللاجئين المصطنع في باريس، وبين مخيمات اللاجئين الحقيقية، كل تلك المفارقات هي في الحقيقة ما يصنع الفن، أو ربما نشكك في جدواه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها