الأربعاء 2020/01/08

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

وزارة الثقافة المصرية..أي ثقافة تشجع؟

الأربعاء 2020/01/08
وزارة الثقافة المصرية..أي ثقافة تشجع؟
إيناس عبد الدايم
increase حجم الخط decrease
في العام 1976، افتتح جلال الشرقاوي مسرحه الذي أطلق عليه اسم "مسرح الفن"، وكانت "شهرزاد" التي أخرجها من تأليف رشاد رشدي، وبطولة محمد عوض ولبلبة، في ليلة افتتاحه، هي الأولى ضمن سلسلة طويلة من العروض السياسية، التي تسببت مجتمعة في إغلاقه وتشميعه عشرات المرات... لكن الشرقاوي الذي أسس مسرحه في قلب العاصمة، واختبر على مدار سنوات طويلة قدرته على الصمود أمام تضييق الأنظمة الأمنية، لم يعد أمامه، في الأيام الأخيرة، حلاً، لكي يضمن بقاء أبواب "مسرح الفن" مفتوحة، سوى أن يحوله مركزًا للدروس الخصوصية.



في الماضي، وخاصة في ليالي العروض المسرحية، كان عسيرًا على القاصد شارع "الجلاء" الموازي لرمسيس، أن يسير في الشارع الضيق الواقع بين السنترال ومعهد الموسيقى العربية، لازدحامه بالجمهور المنتشر بين كشكي سجائر نميا على جانبي المسرح، ينفث السجائر أو يحتسي المرطبات ريثما يبدأ العرض، لكنها كانت فرصة مضمونة للالتقاء بوائل نور أو كمال أبورية أو انتظار أو أي من النجوم الذين قد خرجوا، بدلا من مساعديهم ليجلبوا شيئًا يحتاجونه من سياراتهم المركونة أمام المسرح قبل بدء العرض، أو ليستقلوها إلى منازلهم بعده.

الآن، وتقريبًا في الأيام كلها، لن يعدم القاصد شارع "الجلاء" -من الشارع الضيق بين سنترال رمسيس والمعهد- الزحام نفسه بين كشكي السجائر، لكنه زحام بطلاب الثانوية العامة المتناثرين ينفثون السجائر أو يتناولون المشروبات الغازية ريثما تبدأ الحصة، لكنه –بالطبع- لن يجد فرصة للتعرف على المدرس الخصوصي الذي ينتظره كل هؤلاء، ويحتجب في كواليس المسرح وقد ترك مساعده يخرج بدلا منه ليجلب ما يحتاجه من سيارته... لن يجد قاصد الشارع سوى ما آل إليه وضع المسرح في مصر، وهو مشهد ربما لا تعرفه أو تتجاهله وزيرة الثقافة المصرية، عازفة الفلوت، إيناس عبد الدايم، التي سنّت -منذ أيام- قانونًا جديدًا لجهاز الرقابة، لا يزيد من أدواته القمعية فحسب، وإنما يضيف إليه أيضًا وظيفة جديدة هي: "الجباية".


فقد أصدرت وزارة الثقافة المصرية قرارًا بزيادة رسوم الرقابة على المصنفات الفنية المحلية والأجنبية، وهي الزيادة التي ستضع على كاهل الفرق المسرحية المستقلة عبئًا إضافيًا، يتعلق بتوفير مبلغ 2000 جنيه مصري (حوالي 124 دولارا) فقط كرسوم لتقديم نصوصهم للرقيب، وهو مبلغ يفوق فعليًا إيجار خشبة العديد من المسارح، أو أنهم سيتعرضون لغرامة تقدر بثلاثة أضعاف ذلك المبلغ إن هم لم يتقدموا للحصول على التصريح الرقابي... ذلك كله طبعًا من أجل تطوير جهاز الرقابة، فالجهاز سيتحصل –بحسب البيان الذي تضمنه القرار المنشور في الجريدة الرسمية- على نسبة 10% من تلك الرسوم لتطويره الذي يشمل (المكافآت ودورات التدريب وأجهزة الرقابة)، وكأنه بات لزامًا على الفنان في مصر أن يعمل لتمويل آلية قمعه.

وزارة ثقافة تتحكم ولا تدعم

بعد اندلاع ثورة يناير، نادى كثرٌ بإلغاء وزارة الثقافة، لأنها في ظنهم، كانت أداة السلطة للتدجين والتعبئة، لكن عماد أبوغازي، ثالث وزير للثقافة، بعد رحيل حسني مبارك، عارض ذلك الاتجاه، لأنه، وحسبما قال في حوار أجريته معه بعد أيام قليلة من توليه المنصب، يرى أن العمل الثقافي يقوم على ثلاثة أجنحة؛ المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات الصناعات الثقافية (الربحية)... لا يستقيم الأمر بجناحين دون الثالث، وأن دور وزارة الثقافة وفق مفهومه، يتلخص في توفير "بنية أساسية للعمل الثقافي وحرية الإبداع والرأي، ويحافظ على التراث القومي والوطني وينشر الثقافة إلى أبعد نطاق، وكذلك يوفر مجال لممارسة النشاط الإبداعى، وتحقيق الديمقراطية والعدالة الثقافية على مستوى الجمهورية، ودور الدولة لا ينبغى أن يجور على دور المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية والنشاط المستقل، الذي يجب أن يلقى دعماً من الدولة، وأن يتم توزيع هذا الدعم بناء على معايير واضحة وشفافة".

كان لعماد أبوغازي أيضًا رأي في تطوير جهاز الرقابة، ولكنه ليس على طريقة الجباية التي فرضتها عبد الدايم، وإنما "حلم" بأن يقتصر دور الرقابة، على أمرين؛ الأول: حماية حقوق الملكية الفكرية، والثاني: تحديد المراحل العمرية لمشاهدة الأعمال. "أما فكرة الرقابة القبلية فشيء مرفوض تمامًا"، وكان من سخرية الأمور، أو مجاراتها لمنطق تغير وفرض نفسه عبر السنين التسع الأخيرة، أن تعمل وزيرة الثقافة الحالية ضد المفهومين الذين خرجًا من "يناير".


فوزيرة الثقافة ليست في حاجة إلى جهاز رقابي يساعدها، هي بذاتها جهاز رقابي، يقوم، وفي سابقة من نوعها، بتحرير المحاضر ضد المبدعين، حيث إنها في فبراير من العام 2018، قد حررت محضرًا ضد مسؤولي نادي الصيد بسبب عرضهم مسرحية "سليمان خاطر"، لأنها تتضمن إهانات للقوات المسلحة، ولم تحصل على موافقة من الرقابة على المصنفات الفنية، وهي المسرحية التي وقف صانعوها بعد ذلك بعدة أشهر أمام القضاء العسكري وحكم عليهم بشهرين سجن مع إيقاف التنفيذ.

كذلك فإن وزيرة الثقافة بقرار زيادة الرسوم الذي وقعته منذ أيام تساوي –بدلا من أن تدعم- بين جهات الإنتاج المسرحي كلها الخاصة مثل المستقلة، وكذلك تدعم السينما التجارية دون غيرها، وهي كارثة أفدح من معضلة فرض الرسوم على المسرح، فمنتج السينما الصغير، أو المخرج المستقل بات عليه أن يدفع ما بين 120 أو 150 ألف جنيه، بمجرد نزول فيلمه السوق (15 ألف جنيه رسوم مختلفة حتى تصوير الفيلم، و2000 جنيه عن كل نسخة ستعرض في دور السينما، وألف جنيه عن كل نسخة إعلان من الفيلم) وهي قيمة عالية بالنسبة إلى الأفلام ذات الموازنة الصغيرة أو المتوسطة.

في تصريح لموقع "مصراوي"، يتساءل المخرج أمير رمسيس "هي وزارة الثقافة بتشجع أي نوع سينما بالظبط" لأن ذلك القرار من وجهة نظره فرصة لتواجد "الأفلام التجارية" فقط، ودعوة للقرصنة بالنظر إلى الرسوم المفروضة على الأفلام الأجنبية: "لما تطلب من موزع جايب فيلم إنه يدفع 5 آلاف دولار عن 10 نسخ هيدفع مليون جنيه للرقابة، كام فيلم أجنبي بينزل في مصر ما عدا الأفلام الكبيرة بيعدي مليون في السنة عشان يدفع مليون جنيه للرقابة مش للضرائب، فما بالك بسينما بتحاول تطرح حاجة ضد التجاري زي (زاوية) لما تجيب فيلم فرنسي ولا آسيوي، هيعامل معاملة الفيلم الأجنبي وهما مش بيجيبوا ربع اللي هيدفعوه "بتبصوا للسينما على انها منتج ثقافي ولا وسيلة للتربح؟".


لكن إيناس عبد الدايم، لا تنظر إلى السينما أو إلى الثقافة عمومًا على أنها وظيفة للربح فقط، فهي إلى جوار منهجية الدولة التي تسعى لاستثمار كل ما يمكن استثماره، تملك أجندة أخرى للتحكم في المنتج الثقافي وصانعيه، ولعل هذا ما جعل النظام السياسي يعيد الثقة في اختيارها لتنجو من مقصلة التغيرات الوزارية الأخيرة، فقرار زيادة الرسوم، غير العادل، والذي يهدف لمزيد من التحكم في المنتج الثقافي واقتصاره على جهات بعينها، يجب ألا ينفصل عن القرار الذي شرعه مجلس الوزراء في مطلع يوليو 2018، بإسناد تنظيم إقامة المهرجانات الثقافية والفنية، إلى لجنة عليا ترأسها وزارة الثقافة، وتضم 15 ممثلا من جهات وزارية مثل: الخارجية، الداخلية، المالية، السياحة والآثار، الطيران المدني، الشباب والرياضة، التنمية المحلية! وذلك كله طبعًا من أجل:" تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة"، وهو قرار منح وزيرة الثقافة صلاحية رفض طلب الترخيص بإقامة الاحتفال، إذا ارتأت أنه لا يحقق أهداف تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية، ويتيح لها أيضًا في سبيل تحقيق ذلك وقف المهرجان أو إلغاء ترخيصه بعد منحه، دون أية ضوابط، كما يتيح لها تأميم المهرجانات عن طريق نقل إدارتها إلى وزارة الثقافة، وذلك إذا ارتأت الوزيرة وجود مخالفة ترقى إلى كونها "إساءة لسمعة مصر"!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها